• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

ورسالةٌ فى الطريق..سهراب سـﭙـهرى

ترجمها عن الفارسية/ أيمن بدر

يومًا ما
سوف آتى وأحضر رسالة
سأسكبَ النور فى الأوردة
سوف أصرخ:
"يا ذوى السلالِ المليئة بالأحلام!
لقد أحضرت تفاحةً
تفاحةَ الشمسِ الحمراءَ
سآتى وأمنح المتسول
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
زهرةَ ليلكٍ أرجوانية
سأقدم زوجا آخر من الأقراط
للمرأة الجميلة المجذومة
سوف أقول للرجل الأعمى:
"ياله من منظر" لكى ينظر فى الحديقة
سأصبح بائعا متجولاً
سأتجول فى الشوارع
وأصرخ: "يا قطرات الندى، قطرات الندى ، قطرات الندى "
سوف أخبر عابر السبيل:
"إنها حقًا ليلة حالكة"
سأمنحه بعض النجوم
على الجسر فتاةٌ صغيرةٌ بلا أرجل
سأعلّق فى رقبتها الدبَّ الأكبرَ
سأزيل كل فحشٍ من الشفاه
سأزيل كل جدار من الجذر
سأخبر اللصوص: "لقد وصلت قافلةٌ محملةٌ بالابتسامة!"
سأمزق السحابة
سأجمع العيون للشمس،
والقلوب للحب، 
والظلال للماء، 
والأغصان للريح
سأربط حلم الطفل بصراصير الليل
سأطير طائرة ورقية
سأسقى الأصص
سأذهب للخيول، الأبقار
وأصب أعشابَ الملاطفة الخضراءَ أمامهم
ستُحضِرُ فرسُ العطشِ
دلوَ قطراتِ الندى


سأهش الحشرات بعيدا
عن حمارٍ عجوزٍ فى الطريق
سآتى لأزرع قرنفلةً على كل جدار
سأكررُ قصيدةً تحت كل نافذةٍ
سأمنحُ شجرةَ بلوطٍ لكل غراب
سأخبر الأفعى:
"كم هو عظيم الضفدع!"
سأسوى الخلاف
سوف أعتاد الأمر
سوف آكلُ الضوءَ
سوف أحبُّ
سوف أحبُّ

صوت الزيارة..سهراب سـﭙـهرى

ترجمها عن الفارسية/ أيمن بدر

مع السلة ذهبت إلى السوق وقت الصباح
مع السلة ذهبت إلى السوق وقت الصباح
الفواكه كانت تغنى
الفواكه فى الشمس كانت تغنى
فوق الصوانى
كانت الحياة تحلم بالأسطح الأبدية
على اكتمال القشور
قلقُ البساتين ألقى شعاعه
على ظل كل فاكهة.
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
الآن وبعد ذلك
شىء مجهول
طفا بين لمعان السفرجل
وكل ثمرة رمان مدت لونها
حتى أرض الأتقياء
ولكن واحسرتاه
رؤية المواطنين المرافقين
فى محيط إشراقة البرتقال
كانت فى ظل زاوية
عدت إلى المنزل وسألتنى أمى:
-         "هل اشتريت أى فاكهة من السوق؟"
-         "كيف لفواكه الأبدية أن تسكن هذه السلة؟"
-         لقد أخبرتك أن تشترى رطلا من الرمان."
-         "لقد تذوقت واحدة، كان امتدادها ظاهرا من حافة هذه السلة."
-         "ماذا سنفعل فآخر وجبة فى الظهيرة؟
وفى الضهيرة تحركت صورة ثمرة السفرجل من المرايا حتى أبعد حافة للحياة
وفى الضهيرة تحركت صورة ثمرة السفرجل من المرايا حتى أبعد حافة للحياة

الضوء، أنا، الزهرة، الماء..سهراب سـﭙـهرى

لا سحب هناك
لا سحب هناك
لا سحب هناك
أجلس بجانب البركة
الأسماك السابحة، الضوء، أنا، الزهرة، الماء
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
طهارة عنقود الحياة
حصدت أمى الريحان الحلو
خبز، ريحان حلو، جبن، سماء صافية،
البتونيا[1] المبللة فى الحديقة
داخل أزهار الحديقة
الخلاص فى متناول اليد
فوق الممشى فى آنية نحاسية
أىُّ ملاطفةٍ يصبها الضوءُ!،
السُلّمُ فى زاوية الحديقة
يجلب الصباح على كوكب الأرض،
ابتسامة تختبىء خلف كل شىء
جدار الوقت به حفرة
يُرى وجهى من خلالها
ثمة أشياء لا أعرفها
لكنى أعلم أنى سأموت
إذا نزعت ورقة شجرة
أرتقى، أرتفع إلى الذروة، أمتلك أجنحة وريش
أستطيع الرؤية فى الظلام، أنا طافحٌ بالفوانيس
طافحٌ بالشمس والرمل
طافحٌ بالكرْمات
طافحٌ بالممر، بالجسر، بالنهر، بالموجة
طافحٌ بظلال القصب فى الماء
طافحٌ بشجرة الصفصاف هذه فى نهاية الحديقة
كيف أصبح باطنى خاليًا!
كيف أصبح باطنى خاليًا!


[1]  نبات من الفصيلة الباذنجانية.

هل الرومى كما نظن؟..معصومه برايس

 ترجمه عن الإنجليزية/ أميرة طلعت
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
إن شهرة " الرومى " معروفة فى أمريكا الشمالية لكل شخص مهتم بالأدب الفارسى. .وتدرجه "باربرا ستريسند" فى قائمة المفضلين على مدونتها "حياة لارى كينج". حتى أن " Madonna" بنفسها –إلهة الجنس المعتدة بنفسها المتحولة للكاثوليكية لها ألبوم غنائى على اسمه. وقد تم التسجيل بمعاونة " Deepak Chopra " المرشد فى حركة  "العهد الجديد" –والذى أطلق على الرومى ذات مرة فى بث إذاعى مباشر لـ "خدمة الإذاعة العامة" (pbs) على الهواء "رجل من لبنان". إن المترجمين الزائفين الذين لا يعرفون عالم الفارسية أو التركية يبيعون آلاف النسخ فيحصلون من "الرومى" على أفضل مبيعات، وفى نفس الوقت يظل الباحثون المجتهدون الذين قضوا عمرا فى دراسة الرومى وأدب القرون الوسطى الفارسى مثل الأستاذة " آنا مارى شيمل" و الأستاذ الجديد "نيكلسون" بالفعل غير معروفين للعامة. إن ما يحدث فى الحقيقة هو أن هؤلاء المترجيون الزائفين يعيدون كتابة وإعداد الترجمات التى يقوم بها أمثال هذيْن الدارسين ثم يبيعوها. وهناك فصول للرومى فى كل مكان –وغالبا العديد منها فى نفس المدينة– وجميعها يقوم بالتدريس فيها أفراد مزودون بجميع أنواع المعرفة ما عدا الأدب الفارسى أو أن يكونوا معنيين بالأدب الفارسى الدقيق فى القرون الوسطى. وقد دخلت ألفاظ جديدة إلى لغة الآداب مثل "الصوفية" و "الموسيقى الروحية" أو "الموسيقى الصوفية" بدون تعريف واضح لشرح هذه الأنواع من الموسيقى ومن أين أتت. وقد كانت ابنة صديق لى من إيران لديها انطباع قوى بأن "الموسيقى الروحية أو الصوفية" هى اتجاه جديد فى الموسيقى الشعبية الأمريكية منذ أن كان هذا المصطلح ليس موجودا بشكل ثابت فى الموسيقى الفارسية.
ولقد ظلت نشأة الفكر الإسلامى ومذاهبه الفكرية موضوعا لدراسات الباحثين يبحثون فيه بنظام وشك ودقة لمدة تقارب القرن.ويسود الاعتقاد (كما قال "واط" فى {الفترة المشَكّلة للفكر الإسلامى} المطبوع عام 1963) بأن "الفترة المبكرة فى تاريخ الفكر الإسلامى يسيطر عليها مبدأ ثبات الدين الحق والمبدأ العربى والإسلامى الخاص بطبيعة المعرفة. وهذه المعرفة-التى هى مهمة لمواكبة الحياة– وهذه هى المعرفة فى أشمل معانيها – يمكن استلهامها من كلمات الله ومن أقوال الأنبياء والرجال ممن لديهم هبات خاصة. ومن مبدأ المعرفة هذا يتضح لنا أن عمل الباحث هو أن ينقل بدقة النص الواضح والأقوال المأثورة الأخرى".والكلمات "لاحكم إلا لله" والمأخوذة من آيات قرءانية عدة (خصوصا: الأنعام الآية 57، يوسف الآية 40، 67)  أصبحت هذه الكلمات الشعار الأساسى ليس فقط للدارسين ولكن أيضا للقضاة والحركات مثل "الخارجية"- أول جماعة إسلامية توظف العنف الطائفى لتحقيق أهداف سياسية ضد "عثمان" و "على" و "معاوية". ولقد قدمت "الخارجية" عبارتان هامتان استطاعا السيطرة على مذاهب الإسلام حتى الآن، رغم أن طوائف المعارضة قد وقفت فى مواجهتهما فى بعض الأوقات وبعض الفلاسفة الآخرون.
فلقد أصروا  فى أول الأمر على أن المجتمع اإسلامى يجب أن يعتمد على القرآن. بينما تؤكد النقطة الثانية على طريقة التفكير الشيوعية وليست الفردية ولفظوا بوضوح أن إرادة الله معارضة لإرادة الإنسان. وأطلقوا على أنفسهم "المؤمنين" أو "أهل الجنة" فاعتبروا أن النجاة من الخطيئة هو ارتباط  بذوى الاستقامة والصواب مثل المسلمين (بالطريقة التى أدركوا بها الإسلام). والمجتمع حامل القيم التى تجعل له معنى. وبمعنى آخر يصبح لحياة الإنسان معنى فقط إذا كان ينتمى للمجتمع الإسلامى. وقد سادت مثل هذه الأفكار التى التقطوها وطوروها على طريقتهم باختلافات ثانوية وأصبحت مجالا للجدل بين المسلمين. ومن بين كل الطوائف والمذاهب التى توالت خلال القرون الأربعة الأولى فى الإسلام مثل الشيعة و "القادرية" و "المرجئة"  و "الجهمية" و "الزيدية" و "الرافضة" و "الإسماعيلية" ..إلخ  أثرت اثنتان منهما أثرا هاما.
شكلت الـ"معتزلة" جماعة طائفية متحررة بين الباحثين المسلمين. اعتقدوا جزئيا فى الإرادة الحرة ووضعوا العقل قبل النقل. ورغم أنهم لم يتمكنوا من حل مسألة القضاء والقدر وظلوا متحيزين للحتمية[1]، وكان لهم  أثر ضخم فى تشجيع الطائفية .بينما ظلت "الأشعرية" من ناحية أخرى الأقرب لوجهة النظر السنية التقليدية فى القضاء والقدر. وأكدوا بقوة أن الطائفيين تنقصهم قوة الله والوحى. وقد عارضوا "الموضوعانية"[2] الطائفية وآمنوا بأن إرادة الله فقط هى التى تحدد القيم والمبادئ فى التصرفات والأفعال كما شجعوا فكرة القانون الآلهى الشامل. وقد سيطروا أخيرا على الفكر الإسلامى و الثقافة الإسلامية وساد مذهبهم ونظرياتهم التعليم الإسلامى. ما علاقة كل هذا بالرومى؟ لقد تصادف وجوده كواحد من أهم مفكرى "الأشعرية"!
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
يؤكد دكتور "شفيعى كدكنى" فى طبعته المتميزة لنص هام  سابق {افرينش وتاريخ، ص50} "الإبداع والتاريخ"أن "لسوء الحظ فإنه مؤخرا كان بزوغ العباقرة أمثال "الرومى"  و "عرفاء " – والذى كان يشجع الأشعرية تشجيعا تاما لم يعط فرصة لحرية الفكر". فهو فى الحقيقة يختم قائلا : "لولا الأشعرية لكان مجتمعنا تطور بشكل مختلف".وليس صدفة أن يهاجم "الرومى" فى "المثنوى" كل المفكرين الطائفيين، الملحدين، الواقعيين، والفلاسفة ...وإلخ. وعندما ذكر ابن خلدون فى مقدمته أن الأفارقة سود نظرا للبيئة وجغرافية المكان، كانت الأشعرية هى التى أنهت هذه الرؤى العلمية بإعلان أن هؤلاء البشر سود لأن الله خلقهم بهذا الشكل. وعندما حاول الأطباء إيجاد علاقة ما بين العقل وحركة اليد، سخر الإمام محمد الغزالى من هذا التساؤل العلمى وأكد أن "الأيدى تتحرك لأن الله يريدها أن تتحرك {كيميايا سعادت} (كيمياء السعادة) وقد كانت الأشعرية هى التى فرضت ثقافة التحقق التى لازالت توجد حتى الآن وتلازمنا حتى فى شمال أمريكا.
ولقد تقبل "الرومى" بحرارة وبدون أى قيود أن يخضع لإرادة الله المفترض أنها تعارض إرادة الإنسان. فكان يرى أنه ما من إنسان فى الجنس البشرى بأسره لديه شيئا يمكن مقارنته بإلهه المحبوب. و تهكما اعتبره أتباعه المعاصرين إنسانى (من أتباع الفلسفة الإنسانية). وقد حفظت أثوابه الجميلة والثمينة بضريحه فى بدلة قونية، وخوذته الرائعة، والمصنوعة من أجمل أقمشة العصر، ولئالئه التى لا تقدر بثمن (وهى من البحرين)، ومحبرته المرصعة بالذهب، وقلمه المزين بريش النعام، حذاؤه الجلدى المزين بجمال يشير إلى حياة مرفهة غنية بالثروة والقوة. ومما يدعو إلى الدهشة أنه يسود الاعتقاد بأنه لم يكن لديه أى اهتمام بالأمور المادية أو الحياة الدنيا! ويعتبر من الأحرار، شخصا لم يفرق بين المساجد،الكنائس والمعابد اليهودية. ومع ذلك فإن رأيه الواضح فى المسيحيين وخصوصا اليهود كأشرار والجانب المظلم تم التغاضى عنها.
ليس هناك شك أن "الرومى" لم يكن رجلا عاديا، صوفيا، شاعرا وباحثا. و كان التوسع المعرفى فى أعماله ضخما. فرائعته "المثنوى" بها وفرة ثرية من المعلومات تشير إلى حياة القرون الوسطى. وبه أسماء الكثير من الطعام، الحيوانات، الطيور، الناس، الأماكن، القصص الشعبى وحتى الميثولوجيا والقديسين، وبه قصص ترجع إلى تركيا البيزنطية. لقد غزا الأتراك المسلمين قونية من حوالى قرن قبل ميلاد الرومى كما أنه لازال الأثر البيزنطى واضحا فى عمله. وهناك قصص تنشأ من الأدب الإيرانى قبل الإسلام ويستطيع المرء أن يدرس أشكالهم ويتتبع أصولهم. ويحتوى خياله الرائع ومجازه على عدد من التلميحات الضمنية لصور من التاريخ الإسلامى وحتى الطوائف المختلفة مثل "إخوان الصفا" والذين تحولوا فى شعره إلى رمز للنقاء الروحى والولاء. ومع ذلك فإن بعض القليل من الناس يدرسون مثل هذه المظاهر والوجوه فى هذا العمل الرائع. ولقد أمدنا علم النفس الخاص بالظاهرة الدينية برؤية نافذة البصيرة للسلوك الدينى ومع ذلك لم توجد إلا محاولات قليلة لدراسة أدب الرومى بطريقته.
إن التفكير النفسى المعاصر يدور حول البحث عن الذات، ويَقرأ علم الرومى الآن لاكتشاف كيف يحرر الناس أنفسهم! وعلى النقيض من الميثولوجيا القديمة وقصص الخلق التى طالما صمم فيها الإنسان أن يكسب استقلاله عن الآلهة -حتى لو كان هذا يعنى طردا  من جنة عدن- كان شعر الرومى يتوق إلى العودة مرة أخرى إلى الله. وفى الحقيقة فإن الهدف من حياة الإنسان هو العبادة الدائمة لله كما ذكر فى القرآن: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]. وتتفق مذاهبه مع الـ"الخارجية" السابقين الذين كانوا يؤمنون بالحكم الإلهى.
لقد لعنت السلطات الدينية أعمال "الرومى" لعهد طويل –كنتيجة مباشرة لثقافة التحقق والتى أعلنتها الأشعرية والتى شجعها أمثال"الرومى". إنه فقط فى القرن العشرين الذى استطاع الناس أن يقرأوا أعماله بحرية وشجع الكتاب والنشطاء والمفكرون الإيرانيون فى بداية القرن العشرين الأجيال الجديدة أن يتجهوا بعيدا عن أدب القرون الوسطى. واتجه بعضهم إلى المبالغة مثل "احمد خسروى" وادعاء أن أدب هذ العصر –بما فيه من أعمال "الرومى"– يشكل ضررا لصحة الأمة. وإن مثل هذه الجمل رغم أنها تبدو تهكمية إلا أنها قد وجدت معنا جديدا فى مضمون تطوراتنا الثقافية أو تحريف هذه التطورات فى تجاربنا الحالية. فنحن ندين الأحداث خلال العقدين الأخيرين ونصنف بشكل صحيح المذاهب الفكرية مثل اللامنطقية واللاعقلانية والعقائدية ونسعى فى ذات الوقت إلى الراحة بضم أنفسنا إلى مذاهب وشخصيات مسئولة عن وضع اللامنطقية فى المقام الأول. ولقد فقدنا بطريقة ما التعرف على الفرق بين العقل والإحساس.


 [1] الحتمية مذهب يقول بأن أفعال المرء والتغيرات الاجتماعية ..إلخ هى ثمرة عوامل لا سلطة للمرء عليها (المترجم)
[2]  الموضوعانية هى إحدى نظريات مختلفة تؤكد على الحقيقة الموضوعية؛ وبخاصة بوصفها متميزة عن الخبرة الذاتية.وهى أيضا نظرية أخلاقية تقول بأن الخير حقيقى على نحو موضوعى.

الطائر الروح فى الأدب الفارسى الصوفى..روبا عبدى

ترجمه عن الإنجليزية/ أميرة طلعت
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
معادلة النفس البشرية بالطائر موجودة فى أدب الأساطير، الأدب الصوفى فى جميع أنحاء العالم من "الحلاج" حتى "سنائى"، و "الرومى" ولقد استخدم الأدب الصوفى الفارسى رمز الطائر بطريقة جميلة. فالروح البشرية مثل الطائر قد تختار أن تظل محبوسة فى قفص فى هذا العالم الفانى أو أن تطير نحو الحرية. وقد استخدم ابن سينا هذه الفكرة وكتب "الغزالى" {رسالة الطير} . عندليب الشعر الصوفى -الذى يتوق إلى الوردة- يغنى ليل نهار تلهفه ورغبته التى لم يشبعها. يعانى دونما شكوى لدغَ أشواكها- هو توق ورغبة الروح فى الجمال الأبدى. وهذا التوق والرغبة هو الذى يحث الطائر / الروح على الغناء. فالرغبة والتوق هى أقصى الحالات إبداعًا التى تسطيع الروحُ الوصول إليها .
وغالبا ما يتحدث الرومى عن الروح على أنها صقر أبيض مَنفِى بين الغربان السوداء، أو كعندليب فى صحبة غربان سود. تورية الرومى فى كلمة الصقر "باز" والتى تعنى فى الفارسية أيضا "العودة" تشير إلى رغبة الـباز أن يعود إلى سيده ومولاه.
ورغم الرمز فى رحلة طائر الروح إلى ملاذها الأخير – قد طورها "عطار"[1] – أستاذ حكى القصة فى إيران- بإخلاص فى  قصيدته الملحمية {منطق طير} "مجلس الطير"  اوكما هو معروف ب " مؤتمر الطيور". فريد الدين العطار والعطار (تعنى بائع العطور والروائح) وهو تاجر بحكم مهنته- يعتبره العديدون أعظم كتاب الـ"مثنوى" فى الشعر الفارسى الصوفى بعد الرومى .وقد ولد فى "نيسابور" بشمال شرق إيران وتوفى هناك  فى عام 1221هـ.وقد وجدت فكرة  السفر والصعود نحو الوطن الروحى -و هى فكرة عزيزة إلى الصوفيين المسلمين– تعبيرها الشعرى المناسب فى شعر العطار. وقد شُكّل "مجلس الطير" معتمدا على {رسالة الطير} الذى ألفه قبل نصف قرن أستاذ صوفى آخر وهو "أحمد الغزالى" سنة 1126هـجرية.
ويدور كتاب {مجلس الطير} حول حول قرار اتخذته طيور العالم وهو أن يبدأوا رحلة للبحث عن ملكهم. "السيمورغ" –وشكوكهم الضعيفة ومخاوفهم– و معرفة نصيحة قائدهم الهدهد ويتلعثم كل طائر بدوره  عندما يحثهم  قائدهم بحكايات رمزية نموذجية ليقتدوا بها، وتشمل عدة إشارات لبعض أوائل المسلمين الصوفيين مثل "رابعة العدوية" و "أبو سعيد بن أبى الخير" و "منصور الحلاج" و"الشبلى" وتمثل الطيور المختلفة الأنواع المختلفة للشخصيات البشرية وأيضا الخصائص المعقدة التى تكوّن الفرد البشرى.
وفى هذه الأربعة ألاف وخمسمائة زوج من الأبيات الشعرية  -يتحدث "العطار" لنا  لباطننا. فلقد ولدنا جميعا بأجنحة لكن القليل منا فقط هو الذى يكتشفهم خلال حياته، أجنحة لكى نعود بها إلى الوطن –حيث يوجد الـ"السيمورغ" الصوفى. –سيد كل الطيور– والذى يعيش عالم يحيط بجبل "قاف. وهذه الرحلة جوهريا هى تقدم الروح نحو الارتقاء الداخلى.
ويرمز "العطار" للمراحل المختلفة لهذه الرحلة الروحية – والتى قد تأخد تسلسلا مختلفا فى الأفراد المختلفين- بالوديان السبعة. وربما استُخدِمت سلسلة الوديان لتدل على أن هذه الرحلة ليست ذات صعود منفرد . ويحدث فى مراحل أنك قد تعبر واديا فتجد نفسك فى أسفل آخر. فالوديان إما تفتن وتسحر أو أنها توقِع فى شَرَك وعلى عابر السبيل إما أن يتريث أو أن يقع فى أحدهم. وتَفسّر هذه الوديان كما يلى :
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
وادى الرغبة والبحث :  وفيه تجد رغبة وبحث كل المخلوقات –الذين لا يعرفون أنفسهم– الذين يتوقون إلى الوطن الأصلى، إنه الشوق والحنين الغريب الذى يتملك البعض عندما نستمع إلى موسيقى جميلة أو نرى جمالا فى الطبيعة- جبالها وأوديتها محيطاتها وفصول الربيع ....إنه هذا الشوق الذى يقودنا من رغبة إلى أخرى.بدون أن نعلم أى شئ قد يطفىء ظمأنا لإحدى الرغبات أو جميعها- من كتاب {الترشينا} لادويت يوجى.
وادى الحب : الكل يريد الحب الذى ينقى. والحب يجدد حياة العاشق ويحولها إلى تلك الدرجة التى بشعر فيها بكل كيانه يخضع للتغير، وتنقى خلقه، ترتقى به إلى مرتبة أعلى ونغمة عقلية أسمى. فالمستسلم للحب الحقيقى، غير مهتم بالتقاليد الدينية، السمعة، الاسم، الشهرة، مثل حب المجنون لليلى، وحب "شيخ سنان" لفتاة مسيحية حيث تخلى عن مسبحة تطويق الكافر، ومثل حب "ميرابى" لحبيبها "ﮔردهار ﮔوبال"- من كتاب {البقطى ويوجا سمربان البقطى}.
وادى المعرفة الحدسية :  ويعرف أيضا بحكمة القلب "معرفة" وهى استلهام مباشر للحقيقة كما تعارضها المعرفة المنطقية. وهذه هى الـ"اتمجيانا" أو "اتمابوده" المذكورة فى "ادويتا" .وهذا الإيحاء يقود للانعزال عن كل الأشياء الفانية. (وادى الانعزال) –وإدراك وحدة الوجود كله (وادى الوحدة) لكل من العالم المدرك بالحواس والآخر المنطقى.كل المتناقضات تذوب ويتم اعتزال كل شئ وتوحيده، وتختلط كل الأشكال إلى جوهر واحد كبير.
وكما يقول "الجامى" فإن التوحيد يكمن فى توحيد القلب بمعنى تطهيره وتعريته وتجريده من أى شئ سوى "الحقيقة" وليس شاملا فقط للرغبة والإرادة ولكن أيضا للمعرفة والذكاء .وهذا الوادى يقود إلى "وادى الارتباك " ،وهذه هى الليلة السوداء الطويلة للروح، وقد أشار إليها العديد من المسيحين الجنوستك[2] –حالة من الحزن الأبدى والرغبة الشديدة – والصراع أن تقع فى الحب لكن بدون أن تعلم فى حب من.
وأخيرا فى وادى الفقر والإبادة : تدرك الطيور المتعطشة والتى تحملت عناء الرحلة المؤلمة بحثا عن " السيمورغ" أنهم هم أنفسهم ال "سه مرغ" (تعنى ثلاثين طائرا فى الفارسية) والتى تعنى فى الفارسية الطيور المتعطشة .وبهذا تنتهى القصة بواحدة من أكثر التوريات إبداعا فى الشعر الفارسى الصوفى. وهذا هو المطلب الجوهرى والأساسى بعد حالة الـ"فناء" – إبطال الصوفية فى الوجود المقدس عندما يستطيع الساعى أن بجد طريقه فى محيط نفسه كل النهايات التى لطالما تلهف إلبها، ومع ذلك ليست هذه هى النهاية. عندما أنهت الروح رحلتها إلى الله، الرحلة إلى الله تبدأ – الحالة التى يسميها الصوفيين الـ "بقاء" أى أن الحياة الدائمة لله-. وحالة سات شيت اناندا فى يوجا ادويتا وحالة الـ"سهج" للشاعر الصوفى الهندى "كبير". وهنا تمتد الروح لأعماق جديدة لا يسبر غورها، والكون المقدس –الذى لا يستطيع لسان وصفه. ومشيرا لهذه الحالة يقول الغزالى: "عندما أرى أشعة هذه الشمس، أرتد خارج الوجود. والماء يعود إلى الماء. ونقطة المياه تعود فى النهاية إلى المحيط. والهيئة الفانية للفراشة تتقلص إلى دخان ورماد عند معانقة مشاعر شعلتها الحبيبة. إنها حالة الـ"النيرفانا" والـ"موكشا" للطائر / الروح التى يعود أخيرا إلى الوطن.


[1] فريد الدين العطار: شاعر فارسى متصوف وله كتاب يدعى "مجلس الطير". (المترجم)
[2] مبدأ يونانى يقوم على الإدراك الحدسى للحقائق الروحية ولهم صيغة سرية لالتماس المعرفة (المترجم).

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.