• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

هل الرومى كما نظن؟..معصومه برايس

 ترجمه عن الإنجليزية/ أميرة طلعت
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
إن شهرة " الرومى " معروفة فى أمريكا الشمالية لكل شخص مهتم بالأدب الفارسى. .وتدرجه "باربرا ستريسند" فى قائمة المفضلين على مدونتها "حياة لارى كينج". حتى أن " Madonna" بنفسها –إلهة الجنس المعتدة بنفسها المتحولة للكاثوليكية لها ألبوم غنائى على اسمه. وقد تم التسجيل بمعاونة " Deepak Chopra " المرشد فى حركة  "العهد الجديد" –والذى أطلق على الرومى ذات مرة فى بث إذاعى مباشر لـ "خدمة الإذاعة العامة" (pbs) على الهواء "رجل من لبنان". إن المترجمين الزائفين الذين لا يعرفون عالم الفارسية أو التركية يبيعون آلاف النسخ فيحصلون من "الرومى" على أفضل مبيعات، وفى نفس الوقت يظل الباحثون المجتهدون الذين قضوا عمرا فى دراسة الرومى وأدب القرون الوسطى الفارسى مثل الأستاذة " آنا مارى شيمل" و الأستاذ الجديد "نيكلسون" بالفعل غير معروفين للعامة. إن ما يحدث فى الحقيقة هو أن هؤلاء المترجيون الزائفين يعيدون كتابة وإعداد الترجمات التى يقوم بها أمثال هذيْن الدارسين ثم يبيعوها. وهناك فصول للرومى فى كل مكان –وغالبا العديد منها فى نفس المدينة– وجميعها يقوم بالتدريس فيها أفراد مزودون بجميع أنواع المعرفة ما عدا الأدب الفارسى أو أن يكونوا معنيين بالأدب الفارسى الدقيق فى القرون الوسطى. وقد دخلت ألفاظ جديدة إلى لغة الآداب مثل "الصوفية" و "الموسيقى الروحية" أو "الموسيقى الصوفية" بدون تعريف واضح لشرح هذه الأنواع من الموسيقى ومن أين أتت. وقد كانت ابنة صديق لى من إيران لديها انطباع قوى بأن "الموسيقى الروحية أو الصوفية" هى اتجاه جديد فى الموسيقى الشعبية الأمريكية منذ أن كان هذا المصطلح ليس موجودا بشكل ثابت فى الموسيقى الفارسية.
ولقد ظلت نشأة الفكر الإسلامى ومذاهبه الفكرية موضوعا لدراسات الباحثين يبحثون فيه بنظام وشك ودقة لمدة تقارب القرن.ويسود الاعتقاد (كما قال "واط" فى {الفترة المشَكّلة للفكر الإسلامى} المطبوع عام 1963) بأن "الفترة المبكرة فى تاريخ الفكر الإسلامى يسيطر عليها مبدأ ثبات الدين الحق والمبدأ العربى والإسلامى الخاص بطبيعة المعرفة. وهذه المعرفة-التى هى مهمة لمواكبة الحياة– وهذه هى المعرفة فى أشمل معانيها – يمكن استلهامها من كلمات الله ومن أقوال الأنبياء والرجال ممن لديهم هبات خاصة. ومن مبدأ المعرفة هذا يتضح لنا أن عمل الباحث هو أن ينقل بدقة النص الواضح والأقوال المأثورة الأخرى".والكلمات "لاحكم إلا لله" والمأخوذة من آيات قرءانية عدة (خصوصا: الأنعام الآية 57، يوسف الآية 40، 67)  أصبحت هذه الكلمات الشعار الأساسى ليس فقط للدارسين ولكن أيضا للقضاة والحركات مثل "الخارجية"- أول جماعة إسلامية توظف العنف الطائفى لتحقيق أهداف سياسية ضد "عثمان" و "على" و "معاوية". ولقد قدمت "الخارجية" عبارتان هامتان استطاعا السيطرة على مذاهب الإسلام حتى الآن، رغم أن طوائف المعارضة قد وقفت فى مواجهتهما فى بعض الأوقات وبعض الفلاسفة الآخرون.
فلقد أصروا  فى أول الأمر على أن المجتمع اإسلامى يجب أن يعتمد على القرآن. بينما تؤكد النقطة الثانية على طريقة التفكير الشيوعية وليست الفردية ولفظوا بوضوح أن إرادة الله معارضة لإرادة الإنسان. وأطلقوا على أنفسهم "المؤمنين" أو "أهل الجنة" فاعتبروا أن النجاة من الخطيئة هو ارتباط  بذوى الاستقامة والصواب مثل المسلمين (بالطريقة التى أدركوا بها الإسلام). والمجتمع حامل القيم التى تجعل له معنى. وبمعنى آخر يصبح لحياة الإنسان معنى فقط إذا كان ينتمى للمجتمع الإسلامى. وقد سادت مثل هذه الأفكار التى التقطوها وطوروها على طريقتهم باختلافات ثانوية وأصبحت مجالا للجدل بين المسلمين. ومن بين كل الطوائف والمذاهب التى توالت خلال القرون الأربعة الأولى فى الإسلام مثل الشيعة و "القادرية" و "المرجئة"  و "الجهمية" و "الزيدية" و "الرافضة" و "الإسماعيلية" ..إلخ  أثرت اثنتان منهما أثرا هاما.
شكلت الـ"معتزلة" جماعة طائفية متحررة بين الباحثين المسلمين. اعتقدوا جزئيا فى الإرادة الحرة ووضعوا العقل قبل النقل. ورغم أنهم لم يتمكنوا من حل مسألة القضاء والقدر وظلوا متحيزين للحتمية[1]، وكان لهم  أثر ضخم فى تشجيع الطائفية .بينما ظلت "الأشعرية" من ناحية أخرى الأقرب لوجهة النظر السنية التقليدية فى القضاء والقدر. وأكدوا بقوة أن الطائفيين تنقصهم قوة الله والوحى. وقد عارضوا "الموضوعانية"[2] الطائفية وآمنوا بأن إرادة الله فقط هى التى تحدد القيم والمبادئ فى التصرفات والأفعال كما شجعوا فكرة القانون الآلهى الشامل. وقد سيطروا أخيرا على الفكر الإسلامى و الثقافة الإسلامية وساد مذهبهم ونظرياتهم التعليم الإسلامى. ما علاقة كل هذا بالرومى؟ لقد تصادف وجوده كواحد من أهم مفكرى "الأشعرية"!
اللوحة للفنانة الايرانية: فارسيا رئيس روهانى
يؤكد دكتور "شفيعى كدكنى" فى طبعته المتميزة لنص هام  سابق {افرينش وتاريخ، ص50} "الإبداع والتاريخ"أن "لسوء الحظ فإنه مؤخرا كان بزوغ العباقرة أمثال "الرومى"  و "عرفاء " – والذى كان يشجع الأشعرية تشجيعا تاما لم يعط فرصة لحرية الفكر". فهو فى الحقيقة يختم قائلا : "لولا الأشعرية لكان مجتمعنا تطور بشكل مختلف".وليس صدفة أن يهاجم "الرومى" فى "المثنوى" كل المفكرين الطائفيين، الملحدين، الواقعيين، والفلاسفة ...وإلخ. وعندما ذكر ابن خلدون فى مقدمته أن الأفارقة سود نظرا للبيئة وجغرافية المكان، كانت الأشعرية هى التى أنهت هذه الرؤى العلمية بإعلان أن هؤلاء البشر سود لأن الله خلقهم بهذا الشكل. وعندما حاول الأطباء إيجاد علاقة ما بين العقل وحركة اليد، سخر الإمام محمد الغزالى من هذا التساؤل العلمى وأكد أن "الأيدى تتحرك لأن الله يريدها أن تتحرك {كيميايا سعادت} (كيمياء السعادة) وقد كانت الأشعرية هى التى فرضت ثقافة التحقق التى لازالت توجد حتى الآن وتلازمنا حتى فى شمال أمريكا.
ولقد تقبل "الرومى" بحرارة وبدون أى قيود أن يخضع لإرادة الله المفترض أنها تعارض إرادة الإنسان. فكان يرى أنه ما من إنسان فى الجنس البشرى بأسره لديه شيئا يمكن مقارنته بإلهه المحبوب. و تهكما اعتبره أتباعه المعاصرين إنسانى (من أتباع الفلسفة الإنسانية). وقد حفظت أثوابه الجميلة والثمينة بضريحه فى بدلة قونية، وخوذته الرائعة، والمصنوعة من أجمل أقمشة العصر، ولئالئه التى لا تقدر بثمن (وهى من البحرين)، ومحبرته المرصعة بالذهب، وقلمه المزين بريش النعام، حذاؤه الجلدى المزين بجمال يشير إلى حياة مرفهة غنية بالثروة والقوة. ومما يدعو إلى الدهشة أنه يسود الاعتقاد بأنه لم يكن لديه أى اهتمام بالأمور المادية أو الحياة الدنيا! ويعتبر من الأحرار، شخصا لم يفرق بين المساجد،الكنائس والمعابد اليهودية. ومع ذلك فإن رأيه الواضح فى المسيحيين وخصوصا اليهود كأشرار والجانب المظلم تم التغاضى عنها.
ليس هناك شك أن "الرومى" لم يكن رجلا عاديا، صوفيا، شاعرا وباحثا. و كان التوسع المعرفى فى أعماله ضخما. فرائعته "المثنوى" بها وفرة ثرية من المعلومات تشير إلى حياة القرون الوسطى. وبه أسماء الكثير من الطعام، الحيوانات، الطيور، الناس، الأماكن، القصص الشعبى وحتى الميثولوجيا والقديسين، وبه قصص ترجع إلى تركيا البيزنطية. لقد غزا الأتراك المسلمين قونية من حوالى قرن قبل ميلاد الرومى كما أنه لازال الأثر البيزنطى واضحا فى عمله. وهناك قصص تنشأ من الأدب الإيرانى قبل الإسلام ويستطيع المرء أن يدرس أشكالهم ويتتبع أصولهم. ويحتوى خياله الرائع ومجازه على عدد من التلميحات الضمنية لصور من التاريخ الإسلامى وحتى الطوائف المختلفة مثل "إخوان الصفا" والذين تحولوا فى شعره إلى رمز للنقاء الروحى والولاء. ومع ذلك فإن بعض القليل من الناس يدرسون مثل هذه المظاهر والوجوه فى هذا العمل الرائع. ولقد أمدنا علم النفس الخاص بالظاهرة الدينية برؤية نافذة البصيرة للسلوك الدينى ومع ذلك لم توجد إلا محاولات قليلة لدراسة أدب الرومى بطريقته.
إن التفكير النفسى المعاصر يدور حول البحث عن الذات، ويَقرأ علم الرومى الآن لاكتشاف كيف يحرر الناس أنفسهم! وعلى النقيض من الميثولوجيا القديمة وقصص الخلق التى طالما صمم فيها الإنسان أن يكسب استقلاله عن الآلهة -حتى لو كان هذا يعنى طردا  من جنة عدن- كان شعر الرومى يتوق إلى العودة مرة أخرى إلى الله. وفى الحقيقة فإن الهدف من حياة الإنسان هو العبادة الدائمة لله كما ذكر فى القرآن: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات : 56]. وتتفق مذاهبه مع الـ"الخارجية" السابقين الذين كانوا يؤمنون بالحكم الإلهى.
لقد لعنت السلطات الدينية أعمال "الرومى" لعهد طويل –كنتيجة مباشرة لثقافة التحقق والتى أعلنتها الأشعرية والتى شجعها أمثال"الرومى". إنه فقط فى القرن العشرين الذى استطاع الناس أن يقرأوا أعماله بحرية وشجع الكتاب والنشطاء والمفكرون الإيرانيون فى بداية القرن العشرين الأجيال الجديدة أن يتجهوا بعيدا عن أدب القرون الوسطى. واتجه بعضهم إلى المبالغة مثل "احمد خسروى" وادعاء أن أدب هذ العصر –بما فيه من أعمال "الرومى"– يشكل ضررا لصحة الأمة. وإن مثل هذه الجمل رغم أنها تبدو تهكمية إلا أنها قد وجدت معنا جديدا فى مضمون تطوراتنا الثقافية أو تحريف هذه التطورات فى تجاربنا الحالية. فنحن ندين الأحداث خلال العقدين الأخيرين ونصنف بشكل صحيح المذاهب الفكرية مثل اللامنطقية واللاعقلانية والعقائدية ونسعى فى ذات الوقت إلى الراحة بضم أنفسنا إلى مذاهب وشخصيات مسئولة عن وضع اللامنطقية فى المقام الأول. ولقد فقدنا بطريقة ما التعرف على الفرق بين العقل والإحساس.


 [1] الحتمية مذهب يقول بأن أفعال المرء والتغيرات الاجتماعية ..إلخ هى ثمرة عوامل لا سلطة للمرء عليها (المترجم)
[2]  الموضوعانية هى إحدى نظريات مختلفة تؤكد على الحقيقة الموضوعية؛ وبخاصة بوصفها متميزة عن الخبرة الذاتية.وهى أيضا نظرية أخلاقية تقول بأن الخير حقيقى على نحو موضوعى.

0 تعليقات:

Post a Comment

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.