• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

وحدة القمر..فروغ فرخزاد/ ت:أيمن بدر

طوال الطريق فى الظلام
هتفت الصراصير:
"قمرٌ، أيها القمرُ العظيم"

طوال الطريق فى الظلام
الأغصان بأياديها الطويلة
تصعد منها آهات الاشتهاء
نحو الأفقِ
وزفيرُ الاستسلامِ
لأوامر آلهة مجهولة وغير حاكمة
وآلاف الأنفاس السرية
فى حياة الأرض المستورة
وفى كوكب سيار مضىء
واليراعة تدق على السقف الخشبى
وهى تحجل على الستارة
والضفادع فى البركةِ
كلهم معًا، كلهم معًا يغنّون
حتى صرخ الفجرُ:
"قمرٌ، أيها القمرُ العظيم"
طوال الطريق فى الظلام
القمرُ يحترق إلى لهبٍ
القمرُ قلبٌ وحيدٌ فى الليلة نفسها
ينفجر إلى لونه الذهبى
الذى يكرهه.

ستأخذنا الريحُ..فروغ فرخزاد/ ت:أيمن بدر


فى ليلتى الصغيرة، وا حسرتاه
كان للريحِ موعدٌ مع أوراق الأشجار
فى ليلتى الصغيرةِ
ثمّة قلقٌ مدمرٌ
انصت!
هل تسمع هبوب الظلام؟
أنظر إلى هذه السعادة كغريبةٍ
أدمنتُ يأسى
انصت!
هل تسمع هبوب الظلام؟
الآن فى الليل
شىءٌ يعبر
والقمرُ أحمرُ معكّر
فوق هذا السقف فى خوفٍ متواصلٍ
من الانهيار فى كل لحظةٍ
السحبُ، مثل حشدٍ من المعزّين
فى انتظار لحظة الإمطار.
لحظة
وبعدها لاشىء
خلف هذه النافذة يرتعدُ الليلُ
والأرض تمتنع عن الدوران
خلف هذه النافذة
شىءٌ مجهولٌ يراقبنى ويراقبك
أيها الأخضرُ من الرأس حتى القدم
دع يديكَ كذكرى ملتهبةٍ
فى يدىّ العاشقتين
وامنحنى شفتيك تربّت على شفتىّ العاشقتين
كإحساس دافىءٍ لكيانى
ستأخذنا الريحُ
ستأخذنا الريحُ

سأرسل سلامى للشمس مرة أخرى..فروغ فرخزاد/ت:أيمن بدر

سأرسل سلامى مرة أخرى للشمس،
للغدير الذى يجرى بأوردتى
للسحب التى كأفكارى الممتدة
لشيخوخة أشجار الحور فى الحديقة
يأتون معى من الفصول الجافة
إلى جموع الغربان
يحملون الرائحة المنعشة للمحاصيل ليلاً
هديةً من أجلى
لأمى التى تحيا فى المرآة
وشكلى العجوز
سأرسل سلامًا مرة أخرى
للأرض التى ملأتنى بشهوة تكرارى
وباطنها الملتهب
الملىء بالبذور الخضراء
سآتى، سآتى، سآتى
مع خصلات شعرى: روائح التربة الفواحة
مع عينىّ: تجارب الظلام الوقحة
مع الأغصان التى التقطتها
من البساتين وراء الجدار
سآتى، سآتى، سآتى
والمدخل مزدحمٌ بالحب
وأنا على المدخل
سأرسل سلامى مرة أخرى
لهؤلاء الذين يعشقون
ولفتاةٍ هناك لاتزال
جالسةً على المدخلِ
ممتلئةً بالحب

عواقب الكتابة..فرزانه ميلانى/ ت: أيمن بدر

ترجمه عن الإنجليزية: أيمن بدر
ليس من المفاجىء أن نعطى أمثلة للتقييد الاجتماعى والرمزى لحرية النساء فى التعبير، فالقليل من النساء استطاعوا أو ربما أرادوا اختيار كسر الصمت القديم على نحو استثنائى. تراثنا الكلاسيكى المجيد لم يتمخض عن العديد من الكاتبات الناجحات. وبالرغم من قلتهن فهم ضد التحيز. فقد نجحوا فى إنشاء إبداعهنّ الذى أنكره أى قارىء. ليلى، الجميلة المحبوبة فى الادب الكلاسيكى كانت بارعة. ووفقا لـ "نظامى كنجوى" شاعر القرن الثانى عشر : "الآن ليلى ليست فقط صورة للعرفان للجميل ولكن أيضا مليئة بالحكمة والنظم الجيد فى الشعر. فهى –نفسها- لؤلؤة غير مثقوبة ثقبت لآلىء الكلمات، وجمعتهم معا فى قلائد متميزة من القصائد." علاوة على ذلك، فهذه السلاسل المتميزة من القصائد ألقيت فى الريح والتى حفظت ليلى فريدةً لدى الجمهور المتميز. "سرًا، جمعتْ أغانى المجنون. وأودعتهم فى الذاكرة ثم شكّلت إجاباتهاعلى قصاصات الورق التى ائتمنت الريحَ عليها." ولو استطاعت قصائد المجنون أن تُجمع وتودع فى الذاكرة، فليس هناك مصير ينتظر قصائد ليلى. لا المجنون ولا أى شخص غيره فى هذا الأمر رأى "جسد" كتابتها المؤلفة والمكتوبة على قصاصات الورق، وقصائدها لم تصل لأحد. فتحولوا إلى غبار فى مهب الريح.
سالكةً الصمت المفروض المدسوس لها، ليلى رثت العديد من القيود الموضوعة أمامها تعبيراتها اللفظية. "هو رجل وأنا امرأة. هو يستطيع أنت يتحدث ويبكى ويعبّر عن مشاعره الجياشة فى قصائده ولكن أنا؟ أنا سجينة. ليس لدى من أحدثه ولا أفتح قلبى له: العار والخزى سيكونا قدرى." من القرون والعديد من الأصوات المقموعة حديثا، كررت الشاعرة "فروغ فرخزاد" هذه الشكوى. "أقول أنى أيضا لدى الحق أن أتنفس وأن أصرخ باكيةً. ولكن الآخرين يريدون أن يخنقوا ويكتموا صرخاتى على شفاهى ونفسى فى رئتىّ. واختاروا الأسلحة الفائزة، ولم أكن قادرة أن أضحك أكثر من ذلك". أو مرة أخرى فى قصيدة من ديوان {ثورة} كتبت "فرخزاد":
كنت أنا من ضحك على الافتراءات التافهة
التى وسمت بالعار
قلت: يجب أن أكون ما يدّعون
ولكن، اوه، البؤس الذى هو "المرأة"
هو اسمى.
كلا من الشخصية الروائية "ليلى" والشاعرة "فروخزاد" تحدثا عن "شرم" كعقبة فى طريق تعبيرهم العام: تحدثا عن "شرم" الذى يصاحب أصواتهم المسموعة فى الملأ، عار انتهاك خصوصية الأنثى.
بالنسبة للفنانين الموهوبين للازدهار، الشروط المحددة مطلوبة. تفتقر النساء الإيرانيات إلى الشرطين  الضروريين للإبداع والذى أصرت عليه "فيرجينيا وولف": غرفة خاصة للواحدة منهن وخمسمائة جنيه فى السنة. ونظرة عابرة على حيوات الكاتبات الإيرانيات المعاصرات المشهورات تشير إلى أن اختيار الأدب كمهنة يتطلب تحول شديد للأولويات و –أساسيا- الحياة الخاصة لهن. لذا فالأوضاع الاجتماعية والتوقعات جعلت من الصعب للنساء –خاصة النساء ذوى العائلة والأطفال- أن تطور مواهبها الفنية كليا. فـ"طاهره قرت العين" هجرت زوجها وأطفالها الثلاثة، و"بروين اعتصامى" تزوجت أشهر معدودة، و"تاج السلطنه" "كانت غير سعيدة فى حياتها الزوجية والتى انتهت قريبا بالطلاق. ثم بعدها كان عليها أن تواجه العديد من الصعوبات والمنغصات. وبناته أخذوا منها بعيدا ليعيشوا مع زوجة أبيهم الجديدة". سيمين دانشوار" لم تحظَ بطفل. "مهشيد اميرشاهى"، "ﮔلى ترقى" ، "شاهرنوش ارسيبور" طُلّقوا. "طاهره صفارزاده" تزوجت مرة أخرى الآن، وطلقت منذ سنوات. "فروخزاد" بعد فترة زواج قصيرة فقدت الوصاية على ابنها الوحيد للأبد. "فيرجينيا وولف" اعترفت أنها قتلت "الملاك فى المنزل"، هذه السيدة الفيكتورية المثالية والتى كانت ودودة وساحرة وليست أنانية على نحو ممتاز، والتى " تفوقت فى الفنون الشاقة لحياة العائلة"، والتى "ضحت بنفسها يوميا، اضطرت للقتل دفاعا عن النفس ولتنقذ روح الكاتبة داخلها، أو أيضا استطاع "الملاك" أن يقتلها و "يقتلع قلبها من كتابتها". فالفن يتطلب كفاح متواصل، وعمل مستمر ووقت غير محدود. قالت "فروخزاد": "حتى تصل إلى نفسك المتحررة الحرة، انعزل عن الأنفس الضاغطة للآخرين. لن تنجز شيئا. فالفن هو الحب الأقوى يكشف نفسه فقط لهؤلاء يتنازلون كليا عن وجودهم كله من أجله."
فى ديوان {الأسيرة} كشفت "فروخزاد" طبيعة ومقدار المشاكل التى واجهتها امرأة وشاعرة. ولو أنكرت نبضاتها الشعرية فليست تنتمى إلى مبادئها وأهدافها الخاصة، ولو مارست مشوارها الشعرى فلن تنتمى إلى دور المرأة التقليدى. وداخلها بين الشاعرة التى تعرف نفسها فى مهمتها وبين المرأة التقليدية التى تعرف نفسها فقط من خلال علاقتها بالآخرين وخصوصا زوجها وابنها.
كل صباح من خلف القضبان
عين طفلى تبتسم لى
وحين أبدأ فى الغناء بسعادة
تقترب شفاهه المقبّلة منّى
يا إلهى لو أحتاج إلى التحليق خارجا ذات يوم
من خلف هذه القضبان الموحشة
كيف سألبى عيون هذا الطفل الباكية
دعنى أكون، طائر أسير، ألستُ كذلك؟
ببطء وبألم غلب الفنان المخلص داخلها. حلّت الشاعرة ازدواجية العهود والقرارات لتسعى خلف مشوارها الشعرى. بلا تردد ولا خوف ولا اعتقادات راسخة فى شىء ولا حنين للطفولة وتحفيزات الأنوثة المستقلة أوقفتها عن جعل الشعر مهنتها. وفى واحدة من آخر قصائد {الأسيرة} اعترفت "فروخزاد" بصراحة عن عزمها الكامل على وهب حياتها للشعر:
أعلم أن السعاد فرت بعيدا
من هذا البيت البعيد
أعلم أن طفلا باكيا
سيندب خسارة أمهِ.
مرهقة ويائسة لا أزال
أقف على طريق الأمل
الشعر عشقى ومعشوقى
هجرت هنا لأذهب إليه
الثمن الفادح الذى دفعته لتتجه إلى نزواتها الشعرية احتلت طليعة شعر "فروخزاد" وعذبتها حتى آخر أيامها. قصيدة {وهم أخضر} بلا شك واحدة من الحالات البليغة من التضحيات التى قامت بها من أجل فنها. إنها قصيدة عاطفية وثائرة، استغاثة موجعة من امرأة تعلم جيدا أن الثمن الذى دفعته من أجل نجاحها هو الرابطة العاطفية الأكثر قيمة. إنها صرخة معذبة لامرأة –بالرغم من انهماكها المشبوب فى وظيفتها وبالرغم من إدراكها لانسجام كتابتها- تُركت بمشاعرمتبلدة. هى تجسيد للتلهف للحياة كلها "امرأة كاملة بسيطة" أنقذها إخلاصها للعهود من ألم التناقض والذنب والوحدة. إنها التعبير المعذب للأنوثة الفاشلة المرتبطة بالبيت والأمومة. القصيدة أخاذة بالقدر الكافى لأن نقتبسها كاملة.  
فقصيدة {وهم أخضر} هى نافذة مفتوحة للربيع ولكن أيضا لآلام شاعرة أنثى. وبالرغم من ترنيمة ما للأمومة ولجسد المرأة كمصدر للعطاء والإبداع، تضجّ كل القصيدة بالتناقضات المفرطة والتباين: كآبة خريفية مقابل تجديدات خارجية للربيع، قوى الأنشودة مقابل الصمت والحمْل مقابل الفساد والنجاح مقابل الفشل. وهنا –فى هذه المرآة- أحلام الشاعرة المتعلقة بالذهن طويلا ذبحتها الحقائق. وهنا فى هذه الغابة  من الندم والعقوبات، تظطر امرأة للاستسلام للأهداف المبعثرة. الصمت والتكاسل، يجب أن تنتبه إلى الواقع المرير لأحلامها الخادعة، وتضحيات التى ستضطر للقيام بها والوحدة التى يجب أن تواجهها. أسيرة فى شرنقة صنيعها وكل ما تستطيع فعله أن تقف طوال اليوم أمام المرآة. وليس هذا لأن "فرخزاد" اعتبرت الأمومة كمصير وحيد للمرأة، فهى لم ترى الفن تحررا من متطلبات الأمومة أو كاستبدال ناقص لها. ولكنها رفضت فكرة أنه منح الميلاد هو المولّد الخفى لإبداع المرأة. فدافعت عن ذلك مهما كانت حقوق الأمومة والإنجاب والاعتناء بالطفل عندما يكونوا اختيار المرأة.
هل كانت "فرخزاد" الشاعرة أو شخصية شاعرية تطال بالكثير؟ هل كان هذا بسبب أنها طالبت بشىء مثير أكبر من الحياة ذاتها -صعب البلوغ- أنها احتاجت أن تبكى طوال اليوم لمرآتها، انهيار المعاناة العصبية ومحاولة الانتحار؟ من الواضح أنها أرادت ولكن لم تكمل كانت المتع والمساعدات من حياة العائلة والإشباع الكامل لمواهبها. على النقيض فى قراءة أكثر من ألف سنة من الأدب الفارسى، نادرا ما رأيت رجالا شكوا من تناقض عهودهم بين أن تكون زوجا وأبا وفنانا. رجلا يستطيع اختيار الزواج والأبوة والفن. ولكن النساء التقليديين لا يملكون خيارا. حاولت "فرخزاد" بقوة أن تعرف لنفسها حياة جديدة كامرأة وتنتهى بدفع ثمنا باهظا من أجل محاولتها.

صوتٌ من السيرة الذاتية..مايكل هيلمان

سير النساء الذاتية فى إيران المعاصرة




ترجمها عن الإنجليزية/ أيمن بدر

موت السير الذاتية لعلامات الأدب الإيرانى شىءٌ مروّع، خاصة فى ضوء مركزية السير الذاتية الأدبية فى الأداب الغربية من حيث أن كتاب القرن العشرين رسموا الوحى. على سبيل المثال بالرغم من الفتنة المستمرة فى جانب القراء الإيرانيين بحياة "صادق هدايت" (1903- 1951) -أبرز كاتب نثر فارسى منذ "سعدى" (1215-1290)- بالرغم من حقيقة أن مئات الخطابات والمواد الأرشيفية الأخرى أصبحت متاحة فى الثلاث عقود التالية لموته. وليس هناك سير ذاتية للشعراء المعاصرين البارزين: "احمد شاملو" (1925-...)[1] "ومهدى اخوان ثالث" (ولد 1928) أو أى كاتب إيرانى على قيد الحياة.
الاستجابات لمحاولات فى الثمانينيات فى سيرة علامة أدبية إيرانية بارزة تلمح إلى المغزى الثقافى الدقيق لقضية السيرة الذاتية. وقد استجاب الناقد الأدبى والروائى "رضا براهينى" (ولد 1935) إلى شكل سيرته الذاتية فى 1980 بقلقه من عرضها للقضايا السياسية فى حياته والذى ربما يعرض مستقبله الأكاديمى للخطر إن لم تكن حريته السياسية. أثار شكل السيرة الذاتية للشاعر المغترب "نادر نادربور" فى 1986 ارتباكا فى الجزء الخاص بمراجع إيرانى والذى اعترف أنه لم يره قبل ذلك وكان غير واثق أن يستجيب إلى صورة صريحة ونزيهة لمشوار كاتب إيرانى. واستجاب الشاعر ومرر لكاتب السيرة الذاتية نصيحة من صديق أن يلغى كل شىء من السيرة الذاتية ماعدا تاريخ ولادة الشاعر وزواجه الحالى. أخذ الكاتب المغترب والسينمائى "إبراهيم ﮔلستان" (ولد 1922) القضية مع كل البيانات البيوجرافية تقريبا بامتداد صفحات الدراسة عن الموظفة والخليلة الشاعرة المعاصرة "فروغ فرخزاد" (1934/1935 – 1967)، معبرا عن وجهة نظره أن انتهاك الخصوصية وحده وإثارة القراء ربما تكون وراء مثل هذه السؤال البيوجرافى. على كل حال وفقا لواحد من المراجعين الإيرانيين – هذه الدراسة- امرأة وحيدة: فروغ فرخزاد وشعرها (1987) كانت "أول سيرة ذاتية لعلم أدبى إيرانى نشرت من قبل".
وأسباب نقص الكتابات البيوجرافية تبدو عديدة فى حالة المرأة الأديبة بسبب التمييز بين شروط القناع والخمار. بينما القناع يطبق على كلٍ من الكتاب رجالاً ونساءًا، نجد الخمار (أغطية الشادور التى ترتديها النساء الإيرانيات المسلمات) صُمم حصريا من أجل المرأة. كاتبة إيرانية حُجبت هى أيضا امرأة يحفظها المجتمع من النظرة أو امرأة تذعن استجابة للضغط المجتمعى. الشاعرة التقليدية "بروين اعتصامى" (1907-1941) هى الحالة الكلاسيكية للمرأة الكاتبة التى برزت وتعلمت عن طريق والدها الأديب وشجعها أخوها ومعارفها المتمسكون بالتقاليد أن تبقى مختفية خلف كلٍ من الجدران المنزلية وشخص شاعر غير معروف الهوية كامرأة.
فى عام 1955 نشتر "فروغ فرخزاد" أول مجلد من الشعر فى تاريخ الأدب الفارسى تعرض فيه متحدثة شعرية معروفة كامرأة. وسمتها {الأسيرة} وكانت أيضا أول كتاب شعرى نشر فى إيران بواسطة امرأة على نفقتها الخاصة، وظلت هذه المجموعة ومجموعات "فروخزاد" الشعرية الأربعة التالية –{ديوار} (الجدار، 1956)، {عصيان} (تمرد، 1958)، {تولدى ديـﮕر} (ميلاد آخر 1964)، {ايمان بياوريم به آغازى فصلى سرد} (لنؤمن ببداية فصل البرد، 1974)- أكثر الكتب مناقشةً لكتابة إبداعية لكاتبة إيرانية.
كما لو أن النشر المتجدد للـ{الأسيرة} والكتب الناجحة غير كافٍ، بل جذبت حياة "فروغ فروخزاد" الخاصة الانتباه بسبب معطياتها المتجددة كذلك. ففى عام 1952 تزوجت وهى فى عمر السابعة عشر بدون حب ورغبة فى الهروب من أب صارم. والسنة التالية انجبت ابنا "كاميار". وبعدها بفترة ليست طويلة كتبت مقالات موجزة فى هيئة تحرير مجلة فى طهران. وفى سن العشرين طالبت بالطلاق لتأخذ حريتها لتتطور كشاعرة وكإنسان. وهكذا أُجبرت على أن تتخلى عن ابنها لوصاية عائلة زوجها السابق. وبعدها دخلت فى علاقات مع العديد من الرجال. كانت تتكلم بما يخطر على بالها أيا كان هذا الموضوع بشأن خاص أو عام. وفى منتصف 1958 وقعت فى حب "ﮔلستان" مفكر طهران البارز المثير للجدل وقضت آخر ثمانى سنوات من حياتها فى علاقة معه وتصرفت بتفتح فى نفس دائرة الأشخاص التى كانت زوجة "ﮔلستان" وأطفاله جزءا منها. فى عجالة، منذ 1955 وبعدها واجها "فرخزاد" ضغط اجتماعى معادى كبير وازدراء من الجمهور وكانت مادة للقيل والقال حتى فيما يُطبع. حياتها الغير مألوفة انتهت قبل الأوان فى حادثة سيارة مميتة فى طهران عام 1967 بعد عيد ميلادها الثانى والثلاثين بقليل. أكدت "فرخزاد" صلة خاصة بين حياتها وقصائدها حيث الإشارات لشخصيتها البيوجرافية الكامنة. مبكرا فى مشوارها الأدبى كتبت فرخزاد: "لقد طاردت الشعر والفن إنه ليس هواية أو تسلية. فأنا أعتبر الشعر والفن حياتى كلها". ينطوى هذا الموقف على أن الشاعرة تضع كثير من حياتها فى شعرها. فى عام 1964 أعلنت فرخزاد: "الشعر هو عمل جاد بالنسبة لى. إنه مسئولية، أشعر أننى وجها لوجه مع كيانى. إنه نوع من الإجابة أشعر بالخضوع لأن أعطيه حياتى كلها. أوقر الشعر بنفس الطريقة التى يوقر بها شخص متدين دينه". وإذا كانت صادقة فى وجهة نظرها تلك فأن شعر فرخزاد سيكون صادقا وعاكسا لأفكارها وأحاسيسها الداخلية. حتى ذهبت فى القول إلى أن: "الشعر بالنسبة لى كصديق معه أفضى له بما فى قلبى بسهولة، إنه الرفيق الذى يشبعنى، يرضينى بدون أن يزعجنى". يؤكد التعليق أن شعرها منفتح وصريح وحميمى. والحقيقة أن شعر فرخزاد انعكاسات ومرايا لحياتها بشكل مباشر عادة.
وفى شعر فرخزاد يعرف القراء عن طفولتها (اللعب مع أختها، التسوق مع أمها)، شبابها (البلوغ، اهتمامها بالروايات الرومانسية)، بلوغها الشباب (الحب، الزواج، الأمومة، الطلاق)، علاقاتها الحميمية (والتركيز على الثمن الذى دفعته للعيش حياة مستقلة)، رؤيتها للعالم، إدراكها للفن الشعرى، وآرائها السياسية. فالقراء أدركوا أمزجتها، شكوكها، مخاوفها، معتقداتها وأحلامها الصريحة والمفصلة كالتى ربما يعرفوها من أصدقائهم المقربين جدا.
هناك مشكلة إضافية أو قضية تظهر فى معالجة شعر فرخزاد كسيرة ذاتية. بالرغم من أنها فى شعرها ترفض أو تنبذ الأغطية التى نسجته لها المجتمع والثقافة وترفض استخدام نوع القناع المناسب لإخفاء الشخصية عن النظر، فإن صوتها الشعرى هو شخص أو قناع وليس الشخصية الحقيقية لفرخزاد.لذلك ينبغى أن تكون مواقف فرخزاد تجاه حياتها اليومية متمايزة عن مواقفها تجاه شخصيتها فى شعرها. لنكن واثقين أن شخصيتها ترتدى قناعا ولكنه فى الأغلب قناع فريد بين الكتاب الإيرانيين والذى يلقى الضوء على المرحلة البيوجرافية لقصائد فرخزاد ومنظورها المميز كشخص مفكر.
المرحلة التى حتى لو أن حياة فرخزاد كانت تقليدية، لا تزال أكثر سيرة ذاتية مباشرة أكثر من الكاتبات الأخريات فحسب عن طريق نبذ الأغطية التى خططت ثقافتها لها لترتديها وسوف لا تزال أكثر من الكتاب الآخرين عن طريق إزالة الأقنعة التى يستخدمها الفنانون الإيرانيون بشكل روتينى.  وكما هو الحال، فهى تخبر القراء فى فترات واضحة أن شعرها مرآة وصديق لها، استعارتين لمواقف حيث لا يرتدى المرء خمارا أو قناعا، حيث يبدو عاريا ومتوقع أن يراه كذلك شخصٌ أو آخر.
فى شعرها هناك تفاصيل بيوجرافية ذات مغزى والتى تحتاج أن تقدّر وتفهم كفحوى القصيدة. لا يستطيع القراء تخيل "أنت" الافتراضية كشخص مخاطب فى قصيدة {شعرى براى تو} (قصيدةٌ لك)، فهم يحتاجون لمعرفة أن الشخص المخاطب هنا هو الشاعرة نفسها فى بيئة ثقافية متفردة والتى اضطرت أن تتخلى عن ابنها لتسعى وراء فنها. فى قصيدة {بازﮔشت} (العودة) شخصية الطفل التى تظهر تدعى "كامى". فى قصيدة {شكوفه يى اندوه} (زهرة الحزن)، مدينة الأهواز حيث عاشت فرخزاد عندما تزوجت، ونهر (كوران) هناك، وحب فرخزاد الأول "رويز شابور"، صوّرتهم تقريبا كلقطة فوتوغرافية. فى قصيدة {قهر} (قهر)، تبدو أنها تعطى "نادر نادرﭘور" جزءا من عقلها.
إنه من الصعب جدا للقارىء أن يقدر قيمة المقطع الأخير فى قصيدة {تولدى ديـﮕر} (ميلاد آخر) بدون معرفة أن مديرها وحبيبها" ﮔلستان" ربما لو قضى وقتا أطول فى المنزل معها لكان أجبرها على التصرف ولكنه عاد إلى منزله القريب فى الليل، تاركا الشاعرة وحيدة تنتظر قبلةً فى الصباح:
أعرفُ جنيةً صغيرةً حزينةً
تسكن فى محيطٍ ما
وتعزف نايًا سحريًا
على قلبها فى سكون، وهدوء
جنيةٌ صغيرةٌ حزينةٌ
تموت مع قبلةٍ كل ليلةٍ
وفى كل فجرٍ مع قبلةٍ
تولد من جديد
ما حققته فرخزاد للمشهد الأدبى الإيرانى كان دراماتيكيا متحديا الفردية. وفى المقابل كان معاصروها الأدباء –ماعدا "آل احمد"- غير جاهزين لخلع الأقنعة عن وجوههم بالقدر الكافى ليسمحوا لفردية أعمارهم فى الظهور أو فى حالة الكاتبات، كنّ أيضا غير قادرات أو غير مريدات لاإزالة أغطيتهم. والمغزى من تطور الأدب الإيرانى مؤكد بحقيقة أن فى اوتوبيوجرافيا الغرب جاءت بدرجة صادقة فقط مع عصر "جوته" عندماوفقا لـ"فينتراوب"- بدأ المفكرون أن يشعروا أن "كل حياة، من عصر لعصر أو عصر واحد فقط تصوير حقيقى لمتغيرات كامنة غير محددة تعرف بـ"قيمة لا تستبدل". الافتقار إلى الاقتناع بالحياة الفردية غير المَلَكِية وغير الإمامية يبدو أنه مرضا مستوطنا فى الثقافة الإيرانية.
بإعطاء مثل هذا السياق الثقافى فثبات فرخزاد على العهد لاستقامة صوتها الأوتوبيوجرافى لا يشبه موقف الشاعرة "تاج السلطنه"، فلم تكن لديها ملجأ ملكى أو حارس ولكن تكن لتنتظر ستين سنة على أفكارها لتُقرأ- كانت ثورية فى سجلات الأدب الفارسى والثقافة الفارسية.
أما بالنسة لتقدير إنجازاتها فلايزال معطلا بواسطة أنواع من نزعة المنحازين لجنس معين وجدت فى الكثير من الكتابات النقدية عن الشاعرات النساء –بشموليتهم- لتستخدم ثلاثية "جوانا روس"، إنكار الوكالة، تدنيس الوكالة، المعيار الثنائى المحتوى، نوع متباين من التصنيف الخطأ، أسطورة الإنجاز المنعزل، الانحرافية.
قصيدة فرخزاد صنفت عادةً كاعترافات وليست سيرة ذاتية. فرخزاد الشاعرة تدعى عادةً بـ فرخزاد المتحررة، فرخزاد المرأة المسكونة، فرخزاد العاهرة. ومن بين التعليقات الجادة على شعر فرخزاد كان هناك ميزتان فى مجلة {خاندنيها}. الرسم المصاحب لمقال منهما يشمل رسم سلويت خلف النص المطبوع لجذع امرأة عارية. أما نص المقال الثانى شمل صورة ل"بريجيت باردو" مع عنوان مقتبس من رأيها حول ظهورها عارية على الشاشة. يشير النقاد لفرخزاد باسمها الأول بينما يشيروا إلى الشعراء المعاصرين الآخرين بألقابهم أو بأسماء شهرتهم (لم تستخدم فرخزاد اسما للشهرة كما فعل احمد شاملو، مهدى اخوان ثالث، وآخرون) النقاد الكلاسيكيون –الذين تحدتهم قصائد فرخزادالأخيرة- قبلوا سريعا قصائدها المبكرة، بعض النقاد المعاصرون –معهم المساوون بين الجنسين- يسمو أعمالها المبكرة "صبيانية" بينما يصفقوا لأعمالها الأخيرة. بعض من هؤلاء يقبلوا فرخزاد كشاعرة معاصرة عظيمة يبرهنوا أن تأثير "ﮔلستان" عليها كان حاسما (بالرغم من أنها لم يكتب قصيدة أبدا ولا زوجته ذات الخمسة وأربعين سنة ولا حتى أصدقائه المقربين فى إنجلترا خلال العقد الأخير). أما الثناء الأكمل على فرخزاد فى مقالات (خاندنيها) أتى فى التصريح بأن شعرها كان يذكرنا بـ"بيليتس"[2]. ولكن "بيليتس" كانت ملفقة وهى نتاج خيال رجل فرنسى أراد خلق منافس لـ"سافو" شاعرة لسبوس. كانت فرخزاد تُمدح  بهذا التشبيه حيث يراها باحث أوربى من خلال شاعرة اليونان فى القرن السادس قبل الميلاد تشبهها.
وحتى ناقد رقيق وعاطفى مثل "كريم امامى" صديق فرخزاد وقع فريسة للتعصب التقليدى للجنس فى رأيه أن أعظم إسهامات فرخزاد هى قصائدها فى الحب، بذلك قاصرا إياها فى أقل محراب متوسط فى هيكل الشعراء الإيرانيين. المزيد من الشعراء الوثيقى الصلة –كما يزعمون- يتعاملون مع التاريخ كـ{شوش رديدم} (رأيت سوسا)لـ"اخوان ثالث"، والسياسة كـ {در آن بمبست} (فى هذه النهاية المسدودة) لـ"شاملو"، وفى القضايا الفلسفية الكبيرة كـ"وقع خطى الماء" لـ"سـﭘهرى" . لنكن واثقين أن هذه القصائد تجذب وتكشف. ومن بعد هذا القرن الشعر الغير مغطى والغير مقنع نسبيا لـ "فرخزاد"التى تستخدم صور الحب لتحييى قضايا حياتها وفنها- سوف يكون لديها على الأرجح مكانا أكثر أمنا فى عقول وقلوب عشاق الشعر الفارسى. حداثة فرخزاد الشعرية غير المغطاة وغير المقنعة وفرديتها فتحت الطريق للشعراء الإيرانيين من الآن فصاعدا أن يختاروا بدون كبح أشكال شعرية محددة لتأيراتها وألا يشعروا بالخوف التقليدى من العواقب الاجتماعية والسياسية أو حتى الثقافية. القصيدة الفارسية الكلاسيكية المطورة ربما تفعلها فى القرن القادم ليس لأنها بوركت من مؤتمر ما أو تكشف حجابا أنيقا و قناعا زائفا ولكن لأنها فقط ستعمل فى اتجاه شعرى متفرد.
الأهم من ذلك أن فرخزاد كشفت القناع عن التفرد الشخصى فى الساحة الإيرانية. قادة المؤسسات الإيرانية –سواء متدينون، يساريون، ملكيون، سواء فى طهران أو باريس أو لوس أنجلوس- يستطيعوا بعض المخاوف الأكبر من أن الإيرانيين الآخرين سوف يحاكوا عاجلا أم آجلا ما فعلته هى.

[1] كتب المقال فى منشورات جامعة هارفارد سنة 1990 لذا لم يذكر  كاتب المقال  أن شاملو توفى عام 2000 لأنه كان على قيد الحياة وقتها (المترجم).
[2] شخصية شاعرة خيالية ابتدعها الفرنسى بيير لويس  ونشر أشعارها المتخيلة فى العشرينيات وهى وجهة نظر رجل أوربى فى تصوره لشخصية شاعرة.

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.