• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

عواقب الكتابة..فرزانه ميلانى/ ت: أيمن بدر

ترجمه عن الإنجليزية: أيمن بدر
ليس من المفاجىء أن نعطى أمثلة للتقييد الاجتماعى والرمزى لحرية النساء فى التعبير، فالقليل من النساء استطاعوا أو ربما أرادوا اختيار كسر الصمت القديم على نحو استثنائى. تراثنا الكلاسيكى المجيد لم يتمخض عن العديد من الكاتبات الناجحات. وبالرغم من قلتهن فهم ضد التحيز. فقد نجحوا فى إنشاء إبداعهنّ الذى أنكره أى قارىء. ليلى، الجميلة المحبوبة فى الادب الكلاسيكى كانت بارعة. ووفقا لـ "نظامى كنجوى" شاعر القرن الثانى عشر : "الآن ليلى ليست فقط صورة للعرفان للجميل ولكن أيضا مليئة بالحكمة والنظم الجيد فى الشعر. فهى –نفسها- لؤلؤة غير مثقوبة ثقبت لآلىء الكلمات، وجمعتهم معا فى قلائد متميزة من القصائد." علاوة على ذلك، فهذه السلاسل المتميزة من القصائد ألقيت فى الريح والتى حفظت ليلى فريدةً لدى الجمهور المتميز. "سرًا، جمعتْ أغانى المجنون. وأودعتهم فى الذاكرة ثم شكّلت إجاباتهاعلى قصاصات الورق التى ائتمنت الريحَ عليها." ولو استطاعت قصائد المجنون أن تُجمع وتودع فى الذاكرة، فليس هناك مصير ينتظر قصائد ليلى. لا المجنون ولا أى شخص غيره فى هذا الأمر رأى "جسد" كتابتها المؤلفة والمكتوبة على قصاصات الورق، وقصائدها لم تصل لأحد. فتحولوا إلى غبار فى مهب الريح.
سالكةً الصمت المفروض المدسوس لها، ليلى رثت العديد من القيود الموضوعة أمامها تعبيراتها اللفظية. "هو رجل وأنا امرأة. هو يستطيع أنت يتحدث ويبكى ويعبّر عن مشاعره الجياشة فى قصائده ولكن أنا؟ أنا سجينة. ليس لدى من أحدثه ولا أفتح قلبى له: العار والخزى سيكونا قدرى." من القرون والعديد من الأصوات المقموعة حديثا، كررت الشاعرة "فروغ فرخزاد" هذه الشكوى. "أقول أنى أيضا لدى الحق أن أتنفس وأن أصرخ باكيةً. ولكن الآخرين يريدون أن يخنقوا ويكتموا صرخاتى على شفاهى ونفسى فى رئتىّ. واختاروا الأسلحة الفائزة، ولم أكن قادرة أن أضحك أكثر من ذلك". أو مرة أخرى فى قصيدة من ديوان {ثورة} كتبت "فرخزاد":
كنت أنا من ضحك على الافتراءات التافهة
التى وسمت بالعار
قلت: يجب أن أكون ما يدّعون
ولكن، اوه، البؤس الذى هو "المرأة"
هو اسمى.
كلا من الشخصية الروائية "ليلى" والشاعرة "فروخزاد" تحدثا عن "شرم" كعقبة فى طريق تعبيرهم العام: تحدثا عن "شرم" الذى يصاحب أصواتهم المسموعة فى الملأ، عار انتهاك خصوصية الأنثى.
بالنسبة للفنانين الموهوبين للازدهار، الشروط المحددة مطلوبة. تفتقر النساء الإيرانيات إلى الشرطين  الضروريين للإبداع والذى أصرت عليه "فيرجينيا وولف": غرفة خاصة للواحدة منهن وخمسمائة جنيه فى السنة. ونظرة عابرة على حيوات الكاتبات الإيرانيات المعاصرات المشهورات تشير إلى أن اختيار الأدب كمهنة يتطلب تحول شديد للأولويات و –أساسيا- الحياة الخاصة لهن. لذا فالأوضاع الاجتماعية والتوقعات جعلت من الصعب للنساء –خاصة النساء ذوى العائلة والأطفال- أن تطور مواهبها الفنية كليا. فـ"طاهره قرت العين" هجرت زوجها وأطفالها الثلاثة، و"بروين اعتصامى" تزوجت أشهر معدودة، و"تاج السلطنه" "كانت غير سعيدة فى حياتها الزوجية والتى انتهت قريبا بالطلاق. ثم بعدها كان عليها أن تواجه العديد من الصعوبات والمنغصات. وبناته أخذوا منها بعيدا ليعيشوا مع زوجة أبيهم الجديدة". سيمين دانشوار" لم تحظَ بطفل. "مهشيد اميرشاهى"، "ﮔلى ترقى" ، "شاهرنوش ارسيبور" طُلّقوا. "طاهره صفارزاده" تزوجت مرة أخرى الآن، وطلقت منذ سنوات. "فروخزاد" بعد فترة زواج قصيرة فقدت الوصاية على ابنها الوحيد للأبد. "فيرجينيا وولف" اعترفت أنها قتلت "الملاك فى المنزل"، هذه السيدة الفيكتورية المثالية والتى كانت ودودة وساحرة وليست أنانية على نحو ممتاز، والتى " تفوقت فى الفنون الشاقة لحياة العائلة"، والتى "ضحت بنفسها يوميا، اضطرت للقتل دفاعا عن النفس ولتنقذ روح الكاتبة داخلها، أو أيضا استطاع "الملاك" أن يقتلها و "يقتلع قلبها من كتابتها". فالفن يتطلب كفاح متواصل، وعمل مستمر ووقت غير محدود. قالت "فروخزاد": "حتى تصل إلى نفسك المتحررة الحرة، انعزل عن الأنفس الضاغطة للآخرين. لن تنجز شيئا. فالفن هو الحب الأقوى يكشف نفسه فقط لهؤلاء يتنازلون كليا عن وجودهم كله من أجله."
فى ديوان {الأسيرة} كشفت "فروخزاد" طبيعة ومقدار المشاكل التى واجهتها امرأة وشاعرة. ولو أنكرت نبضاتها الشعرية فليست تنتمى إلى مبادئها وأهدافها الخاصة، ولو مارست مشوارها الشعرى فلن تنتمى إلى دور المرأة التقليدى. وداخلها بين الشاعرة التى تعرف نفسها فى مهمتها وبين المرأة التقليدية التى تعرف نفسها فقط من خلال علاقتها بالآخرين وخصوصا زوجها وابنها.
كل صباح من خلف القضبان
عين طفلى تبتسم لى
وحين أبدأ فى الغناء بسعادة
تقترب شفاهه المقبّلة منّى
يا إلهى لو أحتاج إلى التحليق خارجا ذات يوم
من خلف هذه القضبان الموحشة
كيف سألبى عيون هذا الطفل الباكية
دعنى أكون، طائر أسير، ألستُ كذلك؟
ببطء وبألم غلب الفنان المخلص داخلها. حلّت الشاعرة ازدواجية العهود والقرارات لتسعى خلف مشوارها الشعرى. بلا تردد ولا خوف ولا اعتقادات راسخة فى شىء ولا حنين للطفولة وتحفيزات الأنوثة المستقلة أوقفتها عن جعل الشعر مهنتها. وفى واحدة من آخر قصائد {الأسيرة} اعترفت "فروخزاد" بصراحة عن عزمها الكامل على وهب حياتها للشعر:
أعلم أن السعاد فرت بعيدا
من هذا البيت البعيد
أعلم أن طفلا باكيا
سيندب خسارة أمهِ.
مرهقة ويائسة لا أزال
أقف على طريق الأمل
الشعر عشقى ومعشوقى
هجرت هنا لأذهب إليه
الثمن الفادح الذى دفعته لتتجه إلى نزواتها الشعرية احتلت طليعة شعر "فروخزاد" وعذبتها حتى آخر أيامها. قصيدة {وهم أخضر} بلا شك واحدة من الحالات البليغة من التضحيات التى قامت بها من أجل فنها. إنها قصيدة عاطفية وثائرة، استغاثة موجعة من امرأة تعلم جيدا أن الثمن الذى دفعته من أجل نجاحها هو الرابطة العاطفية الأكثر قيمة. إنها صرخة معذبة لامرأة –بالرغم من انهماكها المشبوب فى وظيفتها وبالرغم من إدراكها لانسجام كتابتها- تُركت بمشاعرمتبلدة. هى تجسيد للتلهف للحياة كلها "امرأة كاملة بسيطة" أنقذها إخلاصها للعهود من ألم التناقض والذنب والوحدة. إنها التعبير المعذب للأنوثة الفاشلة المرتبطة بالبيت والأمومة. القصيدة أخاذة بالقدر الكافى لأن نقتبسها كاملة.  
فقصيدة {وهم أخضر} هى نافذة مفتوحة للربيع ولكن أيضا لآلام شاعرة أنثى. وبالرغم من ترنيمة ما للأمومة ولجسد المرأة كمصدر للعطاء والإبداع، تضجّ كل القصيدة بالتناقضات المفرطة والتباين: كآبة خريفية مقابل تجديدات خارجية للربيع، قوى الأنشودة مقابل الصمت والحمْل مقابل الفساد والنجاح مقابل الفشل. وهنا –فى هذه المرآة- أحلام الشاعرة المتعلقة بالذهن طويلا ذبحتها الحقائق. وهنا فى هذه الغابة  من الندم والعقوبات، تظطر امرأة للاستسلام للأهداف المبعثرة. الصمت والتكاسل، يجب أن تنتبه إلى الواقع المرير لأحلامها الخادعة، وتضحيات التى ستضطر للقيام بها والوحدة التى يجب أن تواجهها. أسيرة فى شرنقة صنيعها وكل ما تستطيع فعله أن تقف طوال اليوم أمام المرآة. وليس هذا لأن "فرخزاد" اعتبرت الأمومة كمصير وحيد للمرأة، فهى لم ترى الفن تحررا من متطلبات الأمومة أو كاستبدال ناقص لها. ولكنها رفضت فكرة أنه منح الميلاد هو المولّد الخفى لإبداع المرأة. فدافعت عن ذلك مهما كانت حقوق الأمومة والإنجاب والاعتناء بالطفل عندما يكونوا اختيار المرأة.
هل كانت "فرخزاد" الشاعرة أو شخصية شاعرية تطال بالكثير؟ هل كان هذا بسبب أنها طالبت بشىء مثير أكبر من الحياة ذاتها -صعب البلوغ- أنها احتاجت أن تبكى طوال اليوم لمرآتها، انهيار المعاناة العصبية ومحاولة الانتحار؟ من الواضح أنها أرادت ولكن لم تكمل كانت المتع والمساعدات من حياة العائلة والإشباع الكامل لمواهبها. على النقيض فى قراءة أكثر من ألف سنة من الأدب الفارسى، نادرا ما رأيت رجالا شكوا من تناقض عهودهم بين أن تكون زوجا وأبا وفنانا. رجلا يستطيع اختيار الزواج والأبوة والفن. ولكن النساء التقليديين لا يملكون خيارا. حاولت "فرخزاد" بقوة أن تعرف لنفسها حياة جديدة كامرأة وتنتهى بدفع ثمنا باهظا من أجل محاولتها.

0 تعليقات:

Post a Comment

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.