ترجمه عن الإنجليزية/ أميرة طلعت
تنبأ الكثيرون بأنه بعد ثورة عام1979 وبداية عهد الجمهورية الإسلامية لابد وأن تقتل القيود الجديدة السينما فى إيران، إلا أن الأفلام الإيرانية قد تمكنت من البقاء على قيد الحياة. ومرّت بتحولات ملحوظة موزاية للتطورات الواسعة فى المجتمع والثقافة الإيرانية. وتعد السينما الإيرانية الآن واحدة من أكثر السينمات فى العالم تجديدا وإثارة. وتُعرض أفلام لمخرجين إيرانيين وتنال المزيد من التصفيق فى المهرجانات الدولية. إن المفتاح لحل التناقض الواضح بين صورة القمع الإيرانى وبين نهضة السينما الإيرانية هى أن نفهم العلاقة المتطورة بين الفن والمجتمع والحالة بعد الثورة الإسلامية.
![]() |
اللوحة للفنان الإيرانى: ايمان مالكى |
فن الغموض :
عارض رجال الدين فى إيران السنما قبل ثورة عام1979 أو تجاهلوها فى أفضل الأحوال، فقد كانت الأفلام ضمن أشكال الفنون التى تعتبر ممنوعة(حرام) وبالنسبة للكثير من العائلات المتديّنة كان الذهاب إلى السينما مساوٍ لارتكاب الخطيئة، وكان لسبب الرئيسى فى ذلك هو أن التصويرات السينيمائية للنساء والحب قد قلبت الثنائية الدقيقة والتى لطالما أدخلت هذه الموضوعات فى الثقافة الإيرانية. ولقد كان الحب دائما الموضوع الرئيسى فى الشعر الفارسى، إلا أنه كان نادرا أن يكون صريحًا إذا ما كان الكاتب يتحدث عن الحب الدنيوى أم الحب السماوى، أو(غياب الجنس الأساسى فى الفارسية) وإذا ما كان المحبوب ذكرا أو انثى.وقد سمحت اللغة الفارسية والشكل الشعرى أن يؤكد أو أن يتعامل حتى مع هذا الغموض. ولقد تميز فن الغموض (الإيهام) فى أعمال الشعراء الكلاسيكيين مثل "حافظ" –والذى تحدث إلى الأجيال الإيرانية- بما فيها الجيل الحالى. إلا أن هذا الغموض لم يستطع البقاء فى الفنون المكتوبة والتمثيلية حيث يتطلب كلا من اللغة والشكل شفافية أكبر ومباشرة فى رسم وتصوير المرأة والحب. وكان الاستعباد الكامل للمرأة واحدا من الحلول التقليدية المتبناة لحل هذه المشكلة –كما فى {تعزيه}- مسرحيات الشغف الدينى– حيث دائما ما كان الرجال يلعبون أدوار النساء[2]، أو عن طريق العروض المثالية والغير واقعية مثل الـ"المحايد" وهى صور مصورة فى رسومات فى بداية عصر الـ"قجاريين"- والتى كانت نماذج توضح كيف كان يوصف المحبوب فى الشعرالقديم[3]. وفى نهاية القرن التاسع عشر وبظهور التصوير الضوئى أصبح تصوير المرأة أكثر واقعية وقد أدى الاندفاع نحو"التجديد" بقيادة "رضا شاه" والنهوض الموازى للسينما كمتعة وتسلية عامة فى إيران، إلى تقوية هذه الاتجاه، فلم تتغيرالقواعد والحالة العامة للمرأة الإيرانية فحسب ولكن أيضا تم تصحيح قصص النساء والحب لصناعة الأفلام منذ البداية[4].
وبذلك واجهت الدولة الإسلامية الوليدة مأزقا. ولعلمها بقوة السينما لم تستطع الحكومات الإسلامية أن تعارض أو تتجاهلها كما فعل رجال الدين من قبل. ومن ناحية أخرى فالفقه لم يكن لديه شيئا لقوله عن الأفلام فيما عدا فرض قواعدها من الحلال والحرام على الصور والمواضيع السينمائية. وقد قامت الحكومة بمحاولة محكمة لجعل السينما تحت سيطرة فكرالدولة وإخضاعها لعملية الأسلمة إلا أن عملية الأسلمة قد فشلت وذلك لأن صناع الأفلام والفنيّين الآخرين قد قرروا تدريجيا تحريرفنهم من وصاية الفقه واستراتيجية الدولة.
محاولة أسلمة الفن:
إن العصور الثلاثة للعلاقة مابين السينما والدولة تتوافق مع العصور السياسية للجمهورية الإسلامية فقد دام العصرالأول -والذى يشار إليه بالجمهورية الأولى- لمدة عقد كامل بادئا بإنشاء الدولة الإسلامية.وأصبح الـ"المتحررون" و "المعتدلون" فى مواجهة "المتطرفون" و "المقاتلون" و فازالأخير الذى كان يدعمه "آية الله خمينى" ليسيطر على الدولة بعد الحرب وانتزع قوة خصمه السابق. وقد شهد هذا العصر الأول –والذى سادته الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)– القوة المهيمنة لفقه الإسلام وقمع الرؤى التى تعيد تشكيل الإسلام. وفى محاولة لإخضاع الثقافة والفن تحت سيطرتها كوّنت الحكومة لجنة للثورة الثقافية[5] وأصبحت وزارة الفنون والثقافة هى (وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامى) مع تفويض بأسلمة كل أنواع الأنشطة الثقافية.
ورغم تنظيماتها العديدة شجعت الحكومة إنشاء سينما إسلامية مميزة فى الثمانينات. وفى هذه الأعوام لم يتم تقديم فيلم جيد[6]. وغابت المرأة والحب تقريبا كليةً عن الشاشة رغم وجود النساء خلف الكاميرا يعملن حتى كمخرجات[7]. وفى غياب المرأة والحب تم توجيه القنوات نحو الأطفال للاحتفاظ بالعواطف الإنسانية، ولذا فقد سادت الشاشة القصص التى تعتمد على الأطفال[8]. وفى منتصف الثمانينات تفككت سيطرة الفقه الإسلامى تدريجيا وبدأت فترة نوعية من النمو، وبدأت السينما الإيرانية جذب الانتباه العالمى مرة أخرى.
فى نهاية العصر الأول بدأ المفكرون والفنانون مثل ""عبد الكريم سوروش و"محسن مخلمباف" –والذين تحرروا من سياسات الجمهورية الإسلامية- فى التعبير عن اعتراضهم على إسلام الحكومة الفقهى. وهناك أشياء متوازية ما بين فكر "سوروش" المنبثق (فكر دينى جديد) والسينما الجديدة المرتبطة بـ "مخلمباف". وبالنسبة ل "سوروش" فإن الدين "أكبر من مجرد مذهب فكرى"[9]. وبالنسبة لـ "مخلمباف" فإن حقيقة الفن هى: "أن الفنان بإمكانه أن يحرر الفنان، ولا مكن إحتواءها فى الرداء الضيق للنظرية الفكرية."[10]
جولة الشقاق الحزبى الجديدة :
![]() |
اللوحة للفنان الإيرانى: ايمان مالكى |
وقد ركز حزب اليمينيين هجماته على ال" MCIG" .ووضع الوزير "محمد خاتمى" منذ عام1982 أساس نمو السينما الوطنية والصحافة المستقلة كجزء من إسهامه العام فى السياسيات الثقافية المفتوحة[11]. ووضعت مؤسسة سينما الفارابى -وهى منظمة شبه حكومية- حظرا جزئيا على استيراد الأفلام الأجنبية وقدمت دعما ماليا لصانعى الأفلام. وأيد "رفسنجانى" "خاتمى" فى البداية ولكن –منذ أن أصبح التطور الثقافى ليس من بين أولوياته تركه واضطر "خاتمى" إلى الاستقالة عام 1992. وتمتّع حزب اليمين بعد ذلك بتشجيع القائد وبذلك اكتمل لقوته الاستمرار، وكان معنى هذا نهاية السياسات الثقافية المفتوحة فى أواخر الثمانينات ومحاولة متكررة لليمينيين –يقودها رجال الدين المحافظون—فرض رؤية الإسلام الفقهى على الإنتاج الفنى والثقافى.
السينما كنقد اجتماعى :
![]() |
اللوحة للفنان الإيرانى: ايمان مالكى |
وفى غياب الصحافة الحرة أصبحت السينما تتجنب نوعا من النقد الاجتماعى. إن تلقاها نقدٌ مؤيد يعنى أنها تجاوزت جماهير المشاهدين واضعا إياها فى موقع فريد كوجه بديل لإيران أمام العالم. إن السياسات المحافظة لحزب اليمين –والذى يتحكم الآن فى the MCIG "- قد أضفت الصفة السياسية لصناع الأفلام. فخلال الانتخابات الرئاسية لعام 1997 ولأول مرة قام صناع الأفلام بتوضيح اتجاهاتهم السياسية المتضَّمنة وحتى المجتمع السينمائى الداخلى أيد "محمد خاتمى" فأنتج "سيف الله داد" صانع الأفلام حملته التجارية، وتحدث عدد من صانعى الأفلام مؤيدين لترشيحه.
الاعتدال من أجل الاستمالة:
وبالانتخاب غير المتوقع لـ "خاتمى"، أصبح ال (MCIG) متحررا من تحكم هؤلاء الذين (يسمون الآن بالمحافظين) ولا يزالون يتمسكون بالتعريف الفقهى للحقيقة الاجتماعية وأصبحوا تحت سيطرة "المصلحون" الذين يؤيدون السياسات الثقافية الأكثر تسامحا. وقد تسبب هذا العصر "الجمهورية الثالثة" فى حدوث طفرة فى الفيلم الإيرانى لإعادة الإصلاح العلنى للنساء والحب فى أعمال مثل: {امرأتان} لـ "تهمينه ميلانى" 1998 أو {سيدة مايو} لـ "بنى اعتماد" 1998. وملمح هام من ملامح هذا العصر وهو ظهورأصوات شابة تطالب بالحرية الشخصية وتشكك فى فكرة المبدأ الفقهى فى العلاقات الجنسية. وقد تم الاستماع لهذه الأصوات فى الأفلام التى تتعامل بانفتاح ونقد مع قواعد الجنس والنوع متخذين من الحب موضوعا أساسيا، وأثناء ذلك ساعد الهتاف الدولى للسينما الإيرانية فى التسعينيات التشتت الإيرانى فى إعادة المفاوضات فى علاقتهم بالأرض الى تركوها. وبالنسبة للإيرانين الذين يعيشون بالخارج كانت الأفلام بالنسبة لهم شيءٌ يأتى من إيران لا يسبب لهم أى حرج. هذا العصر لايزال ينكشف، وإنه لمن المبكر جدا أن نقول أى شيء محدد عن اتجاهه[13]. إلا أننا نستطيع الجزم بأن التزاوج ما بين الفن والمذاهب الفكرية قد أثبت إشكالية فى إيران كتلك التى بين الدين والسياسات. إن إيران الآن فى مرحلة انتقالية بين الحكومة الدينية والديمقراطية. ولقد واجه الحديث المتطرف السائد فى الثمانينيات تحديا عن طريق حديثا أكثر تعددية، حديثا يطرق مناخا سياسيا أكثر تسامحا. فالسينما –مثل أى منتج فنى أو ثقافى– تلعب دورا محوريا فى هذه المرحلة، فهى لا تمدنا فقط بنقد اجتماعى جديد بل أصبحت أيضا وسيلة للتوفيق بين الإيرانيين فى الداخل وخارج البلاد.
[1] "سوزان سياووشى"، "السياسات الثقافية والجمهورية الاسلامية: نشر الكتب والسينما".الصحيفة الدولية لدراسات الشرق الأوسط العدد 29 (1997) صـ509
[3] "افسانه نجم آبادى" "قراءات فى الجنس من خلال رسومات القجاريين" فى ليلى ديبا،مطبوعة، الرسومات الفارسية الملكية: عصر القجاريين 1785- 1925(لندن اى بى تاوريس، 1990)
[4] أول فيلم سينمائى إيرانى ناطق." ابنة اللور" ( آردشير ايرانى، 1933) وكان قصة حب مع امرأة فى دور قيادى.
[5] كانت مهمة اللجنة هى أسلمة الجامعات –التى كان قصدها الأساسى تطهير المدرسين والطلاب الذين لم يعملوا وفقا لمذاهب الدولة الفكرية. وفى حديث صحفى تحدث "عبد الكريم سوروش" بوضوح عن النشاطات المبكرة لهذه اللجنة والخلافات والتشوش فى مذاهبها الفكرية. ونُشرالحديث على الموقعين:
[6] فيلم أمير نادرى "كان الهارب حالة منعزلة"، انظر "هوشنـﮓ ﮔلمكانى"، {تاريخ السينما الإيرانية بعد الثورة"، "المهرجان السنوى العاشر للأفلام مركز شيكاغو للأفلام من إيران (1999)
[7] "حميد نفيسى"، {الرؤية المحجوبة/ الحضورالقوى: المرأة فى السينما الإيرانية بعد الثورة فى مطبوعات مهناز افخمى وإريكا فريدل فى "عين العاصفة": النساء فى إيران بعد الحرب.(منشورات جامعة سيراكوس، سيراكوس – نيويورك، 1994)
[8] ومن أفضل الأمثلة المعروفة : فيلم (الهارب، 1984) لأمير نادرى، و فيلم (باشو: الغريب الصغير، 1985) لبهرام بيضائى، وفيلم (أين بيت الصديق، 1987) لعباس كياروستامى.
[9] عنوان أحد كتبى العديدة. انظر زيبا مير حسينى، الإسلام والجنس: الجدل الدينى فى إيران المعاصرة منشورات جامعة برينستون، برينستون – نيوجيرسى، 1999، الفصل السابع.
[10]: انظر لويد ريدجون، مرآة مخلمباف المحطمة: المغزى السياسى الإجتماعى للسينما الإيرانية الجديدة. (ورقة درهام الشرق الأوسط برقم 64، 2000)،حميد دباشى، "الحقائق الميتة: بدايات مخلمباف"، فى ريتشار ترابر: "السينما الإيرانية الجديدة: السياسات ،التمثيل والهوية (لندن، اى بى تاوريس، قريبا).
[12] انظر نفيسى: المرجع السابق و شايلا ويتاكر، "رخشان بنى اعتماد،" فى روس ايزا وشايلا ويتاكر، محررون، الحياة والفن: السينما الإيرانية الجديدة (لندن: دار العرض القومية، 1999).
0 تعليقات:
Post a Comment