• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

الثورة الرقمية والسينما المستقبلية..سميرة مخلمباف

ترجمه عن الإنجليزية/ أميرة طلعت


لقد كانت السينما دائما تحت رحمة القوة السياسية وخصوصا فى الشرق والرأسمالية وخصوصا فى الغرب، والتركيز على وسائل الانتاج فى أى مكان فى العالم. إن الإبداع الفردى للفنانين خلال القرن العشرين قد عانت الكثير من الممارسات الغريبة لهذا الاتحاد الشاذ من القوى. ولقد تغير الموقف فى بداية القرن الحادى والعشرين تغيرا جوهريا. مع الابتكارات التكنولوجية المدهشة التى فى سبيلها للتحقق الآن، لم يعد الفنانون –كما يبدو- حساسين تجاه تلك العوائق.
اللوحة للفنان الإيرانى: ايمان مالكى
وفى المستقبل القريب ستتحول الصورة إلى الكاميرا بدل القلم -توضع فى هدوء فى راحة- مباشرة فى راحة يده- وكما كان يقال من قبل فإن "العجلة هى التطور لقدم الإنسان" فإننا نستطيع الآن أيضا أن نقول أن الكاميرا هى التطور للعين المبدعة صانع الأفلام". فى بداية القرن العشرين، -بسبب ثقل وزن الكاميرا الكبير- وصعوبة تشغيلها، والحاجة إلى الدعم التكنولوجى فإن هذه العين تقع كحملٍ ثقيلٍ على أفكار وعواطف صناعة الفيلم. ولكن الآن وبعد الثورة الرقمية أستطيع بسهولة تخيل كاميرا صغيرة وخفيفة. كزوج من الأعين الزجاجية أو كزوج من العدسات الرقيقة التى توضع داخل العين فى القرنية دون ملاحظتها.
وهناك ثلاث –أساليب من التحكم الخارجى قامت على مدار التاريخ بتقييد العملية الإبداعية لصناعة الأفلام وهى: سياسية، مالية، وتكنولوجية أما الآن فمع الثورة الرقمية ستتجنب الكاميرا كل هذه التحكمات وتُنقل بإحكام إلى الفنان ومع ذلك سيتم الاحتفال بسينما المؤلف بعد اختراع الكاميرا القلم لأننا حين ذلك سنكون أمام فجر تاريخ كامل جديد فى مهنتنا. ولأن صناعة الفيلم ستصبح غير مكلفة مثل الكتابة وستُضعِف مركزية رأس المال فى العملية الإبداعية جوهريا.
وستكون هذه هى الحالة فى الانتاج السينمائى وسيستمر توزيع عملنا بالطبع ليكون تحت رحمة رأس المال. وبالمثل ستكون التسوية من خلال التحكم الحكومى والرقابة لأننا سنكون قادرين على أن نعرض أفلامنا على الإنترنت وسيشاهده ملايين فى مختلف أنحاء العالم فى غرفة نومهم الخاصة. إلا أن هذا لن يكون نهاية الرقابة، لأن الرقابة على النفس خوفا من اضطهاد التعصب الدينى والإرهاب ستستمر لتقاوم الخيال الإبداعى.
فإذا ماتحولت الكاميرا إلى قلم، وصانع الفيلم إلى مؤلف ستزول هيمنة وضيق القوة، رأس المال، ووسائل الانتاج، أو على الأقل ستتم تسويتها جوهريا. ألا نكون عند  ذلك على عتبة تغير تكنولوجى كامل جديد فى روح السينما ووسائل الإعلام بوجه عام؟ وأنا أميل إلى الاعتقاد بأن الطبيعة الفردية المتزايدة فى الإنتاج السينمائى كما فى المشاهدة وستصبح سينما القرن العشرين هى أدب القرن الحادى والعشرين.
فهل نحن نشهد لحظة تاريخية حيث تُأبَّن السينما؟ هل السينما على وشك الموت؟ قام " فرانسوا ترافو" بعمل فيلم عن موت الأدب على هيئة السينما. وإذا كان "ترافو" الآن على قيد الحياة ألن يغريه الوضع على المحاولة مرة أخرى وعمل فيلم عن موت السينما على يد المؤلف الرقمى؟ ألم يكن يتخيل أن {الابنة الكبرى} لتركوفسكى أو "فورد" يحافظان على أفلام جدهما فى مكان ما بـ " نورث بول
أميل إلى الاعتقاد بأن الثورة الرقمية هى بالفعل آخر إنجاز للمعرفة التكنولوجية وليست كل ما يزال يجب على الفنانين قوله. ويبدو كما لو أنه تم إطلاق هذه الثورة ضد مهن معينة تتعلق بالسينما وليس ضد السينما نفسها وسنستمر فى الاحتفاظ بالنص السنيمائى الأساسى، التحرير الإبداعي، الإخراج المسرحى، الديكور، والتمثيل وربما ستكون أكثر مظاهر التأثر بالثورة الرقمية هى التمثيل والصنع الحقيقى للأفلام، الضوء، الصوت، الأعمال المعملية التالية للإنتاج ولكن بالتأكيد ليست السينما نفسها. ولقد وصلت العلاقة غير المتوازنة بين الفنان والفنِّى فى العقد الأخير من القرن العشرين نقطة نقدية لابد وأن تكون نتجت عن موت السينما. فاليوم -رغم أن- العلاقة معكوسة، وأن التقدم التكنولوجى لوسائل الانتاج قد تَنتُج فى الحقيقة عن موت السينما كصناعة وتعطى الأولوية مرة أخرى للسينما كفن، وستضعف الثورةُ الرقميةُ الأوجهَ الفنيةَ لصناعة الأفلام إلى الحد الأدنى، ستزيد على العكس مركزية وأساس صانع الفلم إلى الحد الأقصى وبهذا ستتغلب مركزية الأوجه البشرية للسينما على الوظيفة الوسيطة لأدواتها، وسيطالب الفيلم كفن بوضعه الأصلى.
ويبدو لى أنه بتمييز السينما عن التقنية والبراعة الفنية، سنشهد ميلاد صانعى أفلام حقيقين. ولا يزال ينقصنا وجود فنانين، فلاسفة، وعلماء اجتماع، أو شعراء بين صانعى الأفلام. لاتزال السيما فى أيدى الفنيين. وكثير من مدارس الأفلام فى أنحاء العالم تعلُّم الأوجه الفنية فضلا عن الأوجه الإبداعية لصناعة الأفلام..وسيبقى السؤال بالطبع ما إذا كانت الوجوه الإبداعية لصناعة الأفلام قابلة للتدريس  أم لا. ومهما كانت القضية، فقد أصبحت السينما الآن مقصورة على هؤلاء ممن لديهم الكاميرات الغالية. ونحن ننتج الآن ما يقرب من ثلاثة أفلام فيلم كل عام من أجل ستة بلايين ساكن فى العالم، ولم تتجاوز محصلة هذا الإنتاج السينمائى السنوى من الآلات ألف كاميرا، وعندما يتحسن العدد الديموغرافى للكاميرات الرقمية على نحو مثير، سيحظى عدد ضخم من المؤلفين الذين لا  يملكون الكاميرا فرصة جديدة للتعبير عن آرائهم الخام. وفى ظل الديمقراطية التكنولوجية الوليدة، لن تستطيع الحواجز المالية والسياسية أن تعوق فوران هذا الفن المتعطش.
دعونا نتخيل عالما تكون فيه عملية رسم صورة بمثل صعوبة عمل فيلم وأن يتم تنفيذ أفكار "دالى" و"فان جوخ" أو "بيكاسو" على يد مجموعة من الفنيين. إن الثورة الرقمية تعتبر مثل إعطاء أمثال "فان جوخ" و"بيكاسو" فرشة لأول مرة.  وإذا كان من الممكن أن يُعتبَر برنامج "الفوتوشوب" أو "ويندور 98" "مونيه" "مانيت"، "بيزارو"، "سيزان"، "ماتيس" جيدين، تستطيع إذن الكاميرا الرقمية أن تقول أن "ترافو"، "راى"، "بيرجمان" جيدين. إن الكاميرا الرقمية هى موت لإنتاج هوليوود وليس موتا للسينما. ونحن نستطيع بالطبع أن نتخيل جيدا كيف أننا بالثورة الرقمية سنشهد موت الفنيين عندما تصبح عملية تشغيل الكاميرا بنفس سهولة فك أزرار قميصك الشخصى، ثم يأتى موت الرقابة لأن عرض الفيلم سيكون مباشرا وسهلا كوضع فيلمك الخاص على الانترنت من خلال بيتك الخاص لتتم مشاهدته فى كل مكان فى العالم. وأخيرا سيبدأ موت رأس المال بسبب رِخَص وسائل الإنتاج مما سيجعلها كثيرة. ولكن هل هذه الزيادة الضخمة –السهلة هكذا- فى عدد المؤلفين لن يسبب موت فكرة المؤلف نفسها؟
وستؤدى السهولة التى يستطيع بها الشخص أن يصبح صانع فيلم، بلا شك إلى زيادة هائلة فى النسبة السنوية فى كل مجتمع. وستؤدى الزيادة فى تمويل الأفلام إلى نقص فى الحاجة والطلب. وسيؤدى هذا إلى تنافس عدوانى ليتغلب على الضوضاء الحادثة التى تطغى على كل شئ.وستُتَرجم المنافسة بين المنتجين إلى منافسة بين صانعى الأفلام وسريعا ما سيجد المشاهد نفسه أمام سوق كبير غير قادر على اختيار منتجه المفضل. وفى نهاية القرن العشرين كان صناع الأفلام فى مركز قوى ممتاز، فهل الثورة الرقمية ونتيجتها من الزيادة الضخمة فى إنتاج الأفلام سبَّبَّ مأزقا حيث هناك الكثير من الناس يصنعون الأفلام أكثر من هؤلاء الذين يريدون أن يجلسوا صامتين فى غرفة مظلمة لفترة طويلة من الوقت بالفعل يشاهد فيلما؟ ماذا لو أن شراء وتشغيل الكاميرا أصبح فى مثل سهولة شراء القلم والكتابة به. وبالتأكيد لم يكن هناك أبدا كتاب عظام مبدعين بمثل وجود الأقلام فى العالم. كما لا يعنى التوفر اليسير للكاميرا الرقمية أن يختفى الصنّاع المبدعون للأفلام. ولكن السينما كفن ستفقد جمهورها الكبير، وبهذا قد تنكسر الجاذبية العامة للسينما إلى أشياء أكثر تخصصا، وانقسام فى العمل والسوق قد يحدث فى عالم السينما. وقد يبدأ الجمهور تدريجيا فى الحقيقة –كمستهلكين- أن يملوا توقعاتها وقد تبدأ القصة السينمائية فى التأثر بعمق بتوقعات مشاهديها.
بنموها التكنولوجى تحولت الكاميرا إلى وحش غريب اضطر أن يقتل الحقيقة التى أراد أن يعبر عنها عندما واجهها لأول مرة. تذكر المشهد حيث يقف إلى وراء الكاميرا فرقة من الفنيين مجتمعين لكى يسجلوا ويصوروا فيلمًا لممثلة بينما كان يحاول المخرج أن يقنع الممثلة أنها بمفردها وليس لديها أى أمل فى مقابلة أحد لمدة طويلة، وكانت الممثلة اليائسة فى وضع تُحسد عليه وهو محاولة تجاهل المجموعة خلف الكاميرا. ولكن الآن كلما صغُرَ ما تأخذه الكاميرا كلما سيقل ما يفرضه وجودها على طبيعة الحقيقة والواقع التى تواجهه. إن رصد الحقيقة سيصبح أكثر مباشرة، أكثر خصوصية حتى النقطة التى تعتبريها الكاميرا أدبيا الآن مثل عين صانع الفيلم.
على الرغم من كل نواياها الديمقراطية، فإن "الواقعية الإيطالية الجديدة" لم تستطع تجاوز الحدود الفنية للسينما وأن تشهد الحقائق اليومية الروتينية. واليوم فالحركات -مثل دوجما 95- تأخد مزايا كاملة من مثل هذه التقدمات التكنولوجية وتصل إلى ما لم تستطع الواقعية الإيطالية الجديدة تحقيقه أبدا. وقد نصل إلى النقطة قريبا جدا عندما تصبح الصحف المرئية ممكنة، والسينما فقط مثل الصحف قد تكون قادرة على أن تؤدى وظيفتها الناقدة فى الحفاظ على الديمقراطية. قد يحدث حدث ما يوم السبت وعلى أساسه قد يقوم فيلما ما يوم الأحد، ويعرض يوم الاثنين. وبهذا يكون لديها تأثير فورى على الصناعة اليومية للتاريخ.
اللوحة للفنان الإيرانى: ايمان مالكى
فهل سينتج عن الثورة الرقمية موقفا حيث تصبح السينما شكلا فنيا فرديا بشكل متزايد؟ وإذا كان من الممكن إنتاج الأفلام المتميزة بكاميرا رقمية صغيرة ثم يتم مشاهدته على الانترنت من خلال الكمبيوتر الشخصى هل ستتسبب هذه المعجزة التكنولوجية فى التخلص من فكرة الجمهور المحتشد كلحظة محددة للخبرة السينمائية؟
تخيل مجموعة من الآلات الفنية المنزلية المسموعة -مرئية بشاشات كبيرة مثل حائط غرفة المعيشة. فى مثل هذه الحالات يجدر علينا أن نفكر فى السينما –فقط كأدب– أن تصبح شكلا فرديا من الفن وأن تفقد وظيفتها الاجتماعية. وإذا كان التركيز على وسائل الإنتاج فى الماضى قد شكل عائقا أمام الخيال الإبداعى فإن السينما لاتزال ذات وظيفة اجتماعية بسبب الطبيعة المجتمعية لمشاهديها. إن أى فنان فى لحظة الإبداع يتخيل نفسه أمام المشاهد وهذا أساسى فى عملية الإبداع. وعند أُنكرَ تخيل هذا الجمهور المحتشد ستكون النتيجة أثر محفز للفنان على العملية الإبداعية. ومن ناحية المشاهدينسيكون التأثير مؤذى على حد سواء. وإذا أنكرنا المشاهد –متعة مشاهدة فيلم مع الآخرين- ستفقد السينما واحدة من أهم خصائصها المميزة.
أنا أومن بأن السينما قد استفادت الكثير من الطبيعة الاجتماعية للبشرية ولن تتنازل عنها بسهولة، وكذلك لن يغير التقدم التكنولوجى شخصيتنا الاجتماعية بسهولة. الآن لدى الكثير من الفرنسيين القهوة وصناع القهوة فى منازلهم ومع ذلك لماذا تمتلئ الكافيهات فى جوانب الشوارع بالناس؟ إنه نفس الدافع الذى سيأتى بالناس إلى السينما. ويعد "مهرجان كان" مع ذلك مثالا جيدا. رغم أن السينما لا تزال حدثا اجتماعيا هاما، إلا أن الرغبة فى أن نكون جزءا من الزحام الكبير تأتى بنا هنا إلى "كان". إن متعة مشاهدة فيلم هنا فى "كان" هى أعلى بدون مقارنة من مشاهدته فى مهرجان صغير أو فى مسرح أكثر تواضعا، أو فى رفقة قليل من الناس فحسب. وبهذا مهما كانت حالة التجديد التكنولوجى، العرض الخاص، الإنتاج والمشاهدة سيستمر هذا الدافع التجمعى فى ضمان الوظيفة الاجتماعية للسينما كشكل فنى..إن الطبيعة الاجتماعية للخيال الإبداعى سيمنع الفردية المتطرفة للسينما حتى بعد تخصيص وسائل الإنتاج والمشاهدة. إن التمثيل الإبداعى له اهتمام ثابت باجتماعيته الباقية لأن إهمال الجمهور خارج عقل الفنان سيعوق العملية الإبداعية..إن الفن هدف أساسى بالنسبة للجمهور. ومن هذه النظرة، فإن الفن مثل الممارسات الدينية مؤمنين بأن يستطيعون الشفقة وهم فى منازلهم الخاصة. ولكن الوظيفة الاجتماعية للدين تجعل الناس يشكل حتمى تخرج خارج الممارسات الجماعية. وإذا استمرت الأفعال من تأدية الشعائر الدينية حتى شرب فنجان من القهوة فى كونها أفعال الاجتماعية، على الرغم من الإمكانية الوافرة لجعلها خاصة، ثم أن الحاجة الجماعية لمشاهدة الأفلام فى وجود حشد من الناس ستدوم. إن ما يثير السخرية فى هذا التطور كله هو أنه خلال نموها التاريخى وجدت السينما نفسها تدريجيا فى مأزق مثلما يجد بناء ما أو مبنى نفسه حيث يعتمد وجود كل شئ فيه على شئ آخر. وبالثورة الرقمية تستطيع السينما الآن استعادة حالتها الخاصة كشكل فنى، وعن طريق مزايا نفس التطور ترى أن وظيفتها الاجتماعية فى خطر.
كيف تكون العلاقة بين الثورة الرقمية والوظيفة الراقية للخيال وإمكانية وجود سينما أكثر ديمقراطية؟
إن أقصى الأحداث أهمية إلى حد بعيد فى الثورة الرقية هو انقلاب التحكم السياسى فى بعض البلاد (وخصوصا فى الشرق) والتحكم المالى فى دول أخرى (خصوصا فى الغرب). وهناك نتيجة أخرى –فى نفس الأهمية- للثورة الرقمية أن الناس فى الأماكن الأقل ازدهارا فى العالم لايزالوا حتى الآن فى النهاية المتلقاة للسينما كشكل فنى. ويبدأ تاريخ السينما بأمم غنية وقوية يصنعون أفلام ليس فقط عن أنفسهم ولكن أيضا عن الآخرين وهذه علاقة منحدرة للقوة.
فاليوم -مائة عام من تاريخ السينما-علاقة القوة غير الديمقراطية وغير العادلة هذه تظهر نفسها عن طريق حقيقة أنه لم يعرض فيلم واحد من داخل قارة أفريقيا فى "كان" هذا العام، أليس لدى أفريقيا شئ لتقوله؟ هل الأفريقيون غير قادرين على التعبير عن أنفسهم فى أفلام مرئية؟ أم أن التوزيع غير العادل لوسائل الإنتاج هو الذى أنكر على الفنانين الأفارقة هذه الإمكانية. ومثال آخر للتوزيع غير العادل لوسائل الإنتاج هو مقارنة عائلتى بدولة قومية أخرى مثل سوريا. فخلال العام الماضى أنتجت سوريا فيلما واحدا فقط ومن عائلتى فيلمان ونصف مميزان!
بنفس المنطق الذى ازداد به الإنتاج الفردى للأفلام لكل شخص فى عائلتى على يد أبى عن طريق مشاركته للمعرفة والتسهيلات مع بقية العائلة فقد وضعت الثورة الرقمية أيضا مثل هذه المعرفة والتسهيلات تحت تصرف جمع كبير من الفنانين. تخيل قطاعات جديدة، متنوعة، ديموقراطية بمهرجان "كان" السينمائى لعام 2010 وكل هذا بسبب الثورة الرقمية.
ونتيجة أخرى حاسمة للثورة الرقمية هى أن السينما ستفقد صوتها المونولجى النبوئى، وأكثر من هذا سينبعث حوار عالمى معلن. وأنه يتم إنتاج 3000 فيلم سنويا لتعداد عالمى لستة بلايين نسمة بمعنى فيلما لكل عشرين مليون نسمة. ولكن ليس كل من هؤلاء الثلاثة ألاف فيلما يملك الفرصة لكى يُعرَض بالفعل. والمنافسة مع "هوليوود" شديدة فى جميع أنحاء العالم. وتصنع السينمات القومية مقاومة بطولية لسينما هوليوود، فنتاجات هوليوود تحتكر الكثير من دور العرض. وهناك الكثير من دور العرض المحجوزة لكى تكون أفلاما فى هوليوود بينما السينمات القومية على وشك الدمار.
اللوحة للفنان الإيرانى: ايمان مالكى
وعندما تكون الكتب المكتوبة قليلة يعتبر الناس ما هو مكتوب حقيقة أسمى، وإذا ما وُجِد كتاب فى قرية بعيدة، لابد وأن يُرجعوا أصله إلى مصادر سماوية. وعندما تكون الكتب وافرة يتحطم هذا الافتراض والإيمان المقدس المطلق وسيفقد المؤلفون الدنيويون افتراضاتهم السماوية. وفى عهد ندرة الإنتاجات السينمائية، كان لـ "تيتانيك" وظيفة هذا الكتاب المقدس. وعالمنا يحب هذه القرية الصغيرة للغاية.
إن الرؤية السينيمائية السائدة للعالم هى نظرة العالم الأول المفروضة على العالم الثالث، فتتم رؤية أفريقيا من خلال وجهة النظر الفرنسية وليس من خلال وجهة النظر الإفريقية، وبالمثل لا تتم رؤية الأمريكان أو الفرنسيين من نفس وجهة النظر الأفريقية. وستتتخطى الثورة الرقمية عدم التوازن هذا، وسيفقد العالم الأول بهذا مركزية رؤيته كرؤية مسيطرة على العالم. إن عالمية موقفنا لن تدع أى مصداقية لادعاءات مركز ومحيط خارجى للعالم. ونحن الآن وراء وجهة النظر بالاعتقاد بأننا نتلقى الأسلوب والطريقة من الغرب ثم نضيفها إلى جوهر مادتنا. وكصانعة للأفلام فلن أكون فقط إيرانية تحضر مهرجان للأفلام، أنا مواطن عالمى لأنه منذ الآن المواطنة العالمية لم تعُد تُعرَّف عن طريق طوب ومِلاط البيوت أو كلمات الصحف المطبوعة ولكن عن طريق القوة الجامعة للكلمة المرئية الثريّة.
لقد كانت هناك درجة خوف معينة من التكنولوجيا دائما ما صاحبت فن السينما. ويستطيع المرء فقط أن يتخيل القلق والخوف الذى شعر بهما أول مرتاد للأفلام أو عندما شاهد الفرنسيون لأول مرة قطار "لوميير" على الشاشة. إن السينما فى المستقبل لن تكون بمنأى عن التغيرات التكنولوجية والفرص التى تحدث من حولنا. وفوق الخوف من التكنولوجيا الذى كانت عليه الأجيال السابقة، إلا أن الجيل الجديد سيلهو بهذه الأدوات التكنولوجية كألعاب فى لعبة جديدة.
ويبدو لى أن هذا المؤتمر قد انعقد بسبب الهلع من التكنولوجيا وكحالة جماعية كتمرين علاجى لتخفيف هذا الهلع التكنولوجى، وإن كنت أعتقد أننا يجب أن نعتبر هذا الحدث جنازة شعائرية للتكنولوجيا. لقد تقدمت التكنولوجيا جدا لدرجة أنها لم تعد تكنولوجيا، فكل ما نحتاجه لكى نسيطر على تشغيل الكاميرا الرقمية هو كيفية الضغط على عدة أزرار قليلة مثل فك أزرار جاكتك فى غرفة مظلمة وهذا كل ما فى الأمر، ولا يجب أن تكون لدينا معرفة تكنولوجية كبيرة لكى نقوم بهذا. وخاتمة من اللاتى خرجنا بها فى نهاية هذا المؤتمر هى أنه بعد الثورة الرقمية قد أصبحنا معافين تماما من مرض الخوف التكنولوجى.
وسيتنشر الآن خوف جديد ويشغل صناع الأفلام وهو سواء أننى كفنان أو لا لدى شئ أقوله لا يستطيعه الآخرون ممن فى أيديهم الكاميرا االرقمية. هناك قصة فى {المثنوى} لـ "الرومى" واحد من شعراءنا العظام-أن هناك نحويا ارتقى سفينة وانطلق فى البحر، وفى جو البحر الهادئ تجاذب أطراف الحديث مع القبطان وسأله إذا ما كان يعرف أى شئ عن  بناء الجملة والإعراب والصرف والتشكيل فأجابه القبطان "لا" فأجاب النحوىّ المتعلم: "إذن لقد ضاع منك نصف عمرك". ومرّ وقت قليل قبل أن تقع السفينة تحت رحمة عاصفة ضخمة فقال له القبطان: "هل تعرف كيف تعوم؟" وعندما أجاب النحوىّ بـ "لا" قال له القبطان مؤكدا: "إذن فقد ضاع كل عمرك". منذ عشرين عاما إذا أراد أى شخص أن يدخل مهنة صناعة الأفلام فإنه يُسأل إذا ما كان يعرف أسلوبها، وإذا كان لا يعرف يخبروه أنه جاهل بنصف الفن. بعد ذلك بعشرين عاما أصبح السؤال الوحيد الذى يجب على نفس الشخص إجابته هو هل لديه فن أم لا.

0 تعليقات:

Post a Comment

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.