• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

أصوات نسائية..مهشيد امير شاهى


أصوات نسائية
الكاتبة/ مهشيد امير شاهى ترجمها عن الإنجليزية: أميرة طلعت

سمعتُ ذات مرة- وأنا فى الطابق العلوى من أتوبيس لندن ذى الطابقين من بين الأصوات الهامسة التى يقطعها حفيف أوراق الصحف – صوت فتاة صغيرة تسأل : "أمى هل قطتنا ذكر أم أنثى ؟ ".قلّت الهمسات والحفيف بما يكفى فقط لسماع إجابة الأم : "ذكر يا عزيزتى" قالتها بنبرة ثابتة وحاسمة حتى تنهى الحديث.
إلا أن البنت الصغيرة فكّرت بشكل مختلف : "وكيف تستطيعين أن تعرفى هذا يا أمى؟" –طوق الصمت المكان هذه المرة ماعدا صوت الطقطقات الخفيفة للآذان وهى تمتد. لم تتعصب الأم أو تتلعثم – كما كان من المتوقع – إنها حتى لم تطل الموقف على المستمعين بل قالت بهدوء : "لديه شوارب أليس كذلك يا عزيزتى؟" أعادت القهقهات الناعمة، وتنحنحات الرضا للطابق العلوى حيويته قبل أن يعود من جديد لإيقاعه الهادئ من الهمسات والحفيف.
كان التوقف التالى نتيجة لطلبى حيث رننت الجرس بالفعل وأخذ السائق يتهيأ للوقوف جانبا لأنزل عندما سمعت صوت الفتاة الصغيرة مرة أخرى : " لكن يا أمى القطة الأنثى لها شوارب أيضا"، نزلت من الأتوبيس ضاحكةً،وأنا أفكر كيف ستخرج الأم من هذا المأزق؟.
الآن وبعد سنوات من هذا الحادث الذى طواه النسيان، كثيرا ما أجد نفسى فى نفس موقف هذه الطفلة حيث اضطررت أن أقدم كتابًا للنساء – بشعر اللحية أو بدونه – يشبه الكتاب للذكر كما أرى. وأحيانا أندم أننى لم أمكث وقتا أطول قليلا لأستمع للإجابة من والدة هذه الفتاة الصغيرة. لأنها كان من الممكن أن تعطينى وصفا مُرضِيًا لرسم الخط الفاصل بين" الذكر والأنثى" دون أن يبدو مبتذلا هزليا أوتحليليا فظا.
والحقيقة أننى لا أجد فرقا بين الأعمال الإبداعية للرجال والنساء وأبعد من ذلك أننى حتى لا أسعى وراء إيجاد أى منها، إن جنس المؤلف لم يكن أبدا من ضمن معاييرى لاختيار أى كتاب. لذا فتقسيم الأدب على حسب جنس الكاتب يبدو لى أمرا مجحفا للغاية، وسخيفا إلى حد ما لكى أكون صريحة، سخيفا بنفس القدر عندما تحاول تصنيف الأعمال الأدبية إلى مكتوب بخط اليد أو مكتوب على الآلة الكاتبة، أو تصنيفها حسب المؤلف الذى يستطيع استعمال يديه بمهارة أو يده اليسرى فقط. هذه التقسيمات والتقسيمات الفرعية –والتى تستمر إلى الأبد– لا تجذبنى ولا تثير اهتمامى على الإطلاق.
ومع ذلك قد تبرر بعض الظروف مثل هذا المسلك، وأعتقد أن الكتاب الحالى –وكونه أنثويا تماما– هو مثال للاستثناءات التى أتحدث عنها، فهذه المقتطفات الأدبية تطبع فى وقت محكوم على المرأة فيه بالصمت الجبرى وهؤلاء اللاتى عزمن على عدم الخضوع يستحقّون الانتباه –بل أجرؤ أن أقول– يستحقّون الإعجاب.
إن هذه المقتطفات الأدبية لا تتطلب تحليلا إجماليا، فكل قصة تتحدث عن نفسها وتجد مكانها الصحيح. فكما فى أى من مثل هذه المجموعات، ليس لكل القصص نفس الجدارة. فأنا شخصيا وجدت قصة "الأرنب والطماطم" –وهى قصة أسطورية قصيرة– كتبتها "نيكزاد" – اتبة ليست معروفة لى حتى الآن- رائعة جدا. ومن ناحية أخرى فإن "ﮔوهر" والتى كتبتها "خانلارى" و"زيارة مع الأطفال فى القرية الشمالية" والتى كتبتها "ناطق" كان لهما وقعا أقل من توقعاتى. إن الصفات الأخرى لهاتين الاثنتين تلقى -وبلا شك- ظلا على موهبتهنّ الفنية. فـ "خانلارى" و "ناطق" أكثر شهرة فى مجالات أخرى، الأولى فى ميدان البحث والثانية فى مجال التاريخ. وعندما قرأت "قصة شارع" التى كتبتها "دانشوار" – وهى كاتبة إيرانية ذات صيت– تذكّرت بقوة تجربتى الأولى مع (تابيه رولان)([1]) فى محطة مترو (مونتبارناس) بباريس. الفرنسيون يحبون أن يطلقوا أسماء خيالية لأطباقهم، وملابسهم، آلاتهم وخصوصا إذا ما كانت لا تؤدى وظيفتها المتوقعة- أى أن تأكل ما ليس صالحا للأكل، أن تلبس ما لا يناسبك، أو أن تستخدم أداة لا تعمل. إن (تابيه رولان) ليست سجادة ولا تَلُّف، إنها ببساطة امتداد طويل لممر بلاستيكى يتخلل الدهليز من إحدى نهايات محطة مترو (مونتبارناس) للأنفاق حتى الرصيف الآخر، ويسير بسرعة قوقعة بطيئة، بينما يندفع المشاة بسرعة أفقية على كلا الجانبين، تاركين الذى يسافر يوميا عالقا على (تابيه رولان) مع شعور حاد من الإحباط بأنه لن يصل لنهاية الممر أبدا واقتناع عميق بأنه حتى إذا وصل سيكون القطار الأخير قد غادر والعالم كله على متنه.
فقراءة {الحاج بارك الله} التى كتبها "بهرامى" – والتى قرأتها أنا بالفارسية من قبل– كانت متعة. وقد التقيت مصادفة فى هذه المختارات الأدبية بقضية فريدة والتى تعنى بالمترجم فضلا عن الكاتب، وجدت ترجمة " فروخ" لـ "سيدة روحى العظيمة" أفضل إلى حد كبير من نص "طارقى" الأصلى المكتوب بالفارسية.
وهناك اتجاه لإخراج المرأة من العالم الثالث باللين، وكونى نفسى أنتمى لجزء من هذا العالم، فأنا أدين بكثير من الاحترام ولا أنافق أو أنتحب وأنا أتحدث عن قصصهم . ففى هذه المهنة التى تشهد تنافسا لا يرحم على المرء أن يكافح أن يكون جيدا للغاية قبل أن يأمل أن يصبح مؤلفا.
وإنه لتشجيع عظيم للجميع أن تمنح الفرص، مثل الكتاب الحالى، للكاتبات النسائيات ليبرزن مواهبهن، حيث إن قراءة القصص بعين ناقدة خدمة نفيسة لهؤلاء الذين يتخذون التأليف مأخذ الجدية.
فإذا ما كان الهدف من كتابة المقدمة أن تقدم محتويات الكتاب بعين متفائلة ولسان ناعم،إذن فلقد فشلت بشكل مثير للشفقة، أخشى ذلك. وبالمناسبة ما هو الهدف منها؟ وكيف للمرء أن يكتب مقدمة لكتاب نسائى؟ آه لو كنت فقط مكثت قليلا فى هذا الأتوبيس؟...([2])

([1]) مكتوبة بنطقها الفرنسى، وترجمتها "سجادة على عجلات" (المترجم).
([2]) كتب هذا النص لأول مرة كمقدمة لعمل أدبى اسمه "شجرة جوز على قبر المسيح"، (هاينمان، بوتسموث، 1993) بناء على طلب أحد المحررين. ومع ذلك فقبل نشر هذا العمل فإن مدرس للغة الفارسية –واقتراحه موجه لجنسه- طلب إعادة انتاج هذا العمل فى كتاب – ظاهريا عن الأدب – لكنه أتى بجملة أو اثنتين وختم الأمر كله بقوله : " إن مهشيد أمير شاهى تجده أمرا سخيفا أن تصنف الأعمال الأدبية على أساس الجنس" فهذه المقدمة – لسبب أو لآخر – لم تظهر فى النهاية فى كتاب (شجرة جوز على قبر المسيح) فقد فكرنا بأنه من الأفضل أن نطبع هنا النص كاملا لإفادة هؤلاء الذين يحبون أن يعرفوا ماذا قالت "مهشيد أمير شاهى" بالضبط.

0 تعليقات:

Post a Comment

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.