• RSS
  • Delicious
  • Digg
  • Facebook
  • Twitter

صورة المرأة فى النثر الفارسى المعاصر



صورة المرأة فى النثر الفارسى المعاصر
الكاتبة / مهشيد امير شاهى
ترجمها عن الإنجليزية: أميرة طلعت
السيدات والسادة ،كان لدى شك كريه قبل أن أبحر فى كتبى بحثا عن صورة المرأة فى النثر الفارسى المعاصر أن مهمتى لن تكون سهلة، والسبب: أننى مهما حاولت جاهدةً لا أستطيع أن اتذكر ارتجالا بعض شخصيات نسائية فى أدبنا بقيت معى بطريقة أو أخرى من الكتب العديدة التى كتبها مؤلفون متنوعون. وقد وجدت هذا الأمر غريبا جدا لأنى أمتدح نفسى لكونى قارئة جيدة، فهل يرجع افتقارالذاكرة هذا فقط إلى الفشل الانتقائى المفاجئ لذاكرتى أم أنها نتيجة أيضا لدور المرأة المُهمل فى رواياتنا وقصصنا القصيرة؟ إن إثبات أحد الفرضين أو الآخر يقدّم منظورا غير ممتعٍ. تستطيع أن تسميه ماسوشية إن شئت لكننى أردت فعلا ان أعرف لذا أسرعت إلى كتبى وبدأت أجوس خلالهم بانفعال شديد محموم.[1]
بالنسبة للفرض الأول قد انتهيت إلى أنه ليست هناك إرادة مظلمة لا يسبر غورها- أودت بالمرأة إلى ذلك النسيان- ففشلها عام إلى حد كبير. وبالنسبة للثانى، لاحظت أن غياب المرأة فى قصص عديدة ليس هو الذى يترك كثيرا هذا الفراغ فى عقل القارئ، بل تكرار صنف واحد من النساء الذى يقدمهنّ بشكل سئ. فلقد ابتكر الكثير من كتابنا المعاصرين نوع نمطى من المراة تمسّكوا به من أجل حياة غالية. وسأقدم بعض الأمثلة لشرح هذه النقطة.[2]
ولهذا سأعود للكتّاب الروّاد فى هذا القرن وأبدأ بـ "دشتى" و"حجازى" و"مستعان" وفكرتهم عن المرأة تعبر عنها الأغنية التالية خير تعبير:
" اتبع ظلا وسيظل يهرب منك
تظاهر بتركه سيستمر فى مطاردتك
بالمثل حاول أن تلاطف سيدة فستنكرعليك ذلك
وإذا تركتها وشأنها ستداعبك هى
أليس لك الحق إذن أن تقول:
إنهن لسن نساء بل ظلال لنا نحن الرجال؟ "
وبعد أن قالوا آمين انطلق هؤلاء الثلاثة للعمل. مع ذلك فقد سلطوا الضوء مباشرة على رجالهم حتى إن الظلال التى أبعدوها قد تناقصت إلى بقعات تافهة صغيرة جدا.
وباختصار فإن المراة –على حد علم هؤلاء الرجال– ليست إلا سيدة معطّرة جميلة جذابة فقط لتتعرى فى فراش أحدهم. فضيلتها: الجمال، وعاطفتها : التفاهة أو الحب.
ولقد أنتج كلٌ من هؤلاء المؤلفين الثلاثة رواية واحدة على الأقل تحمل اسم امراة كعنوان لها "دشتى" كّتّب {فاتنه} و"حجازى" كتب {زيبا} و"مستعان" كتب {ربيح}. هؤلاء البطلات، مع ذلك، لا تأتين فى الحياة أبدا بصورة ثلاثية الأبعاد وإنما من خلال الكتاب كما نوى لهنّ مبدعوهم أن تكَّن، أى يعلق على الجدار صورا لنساءٍ مزينات بقليل من الروح حتى ليظنّ البعض أنهنّ لا يملكنَ أى روحٍ على الإطلاق. وأسلوب الكتابة هذا على الرغم من أنه كان أكثر الأنماط شيوعا إلا أنه لم يعبرعن روح العصر ويموت نسبيا بعد فترة قصيرة. لقد ازدراه جيلى بأكمله أما الأجيال التى تلت جيلى فقد بقيت على غير وعى به عمليا. وهناك بعض الكتّاب فى مجلات دورية معينة مثل "قسمى" و"فاضل" ظلوا يرسمون شخصيات نسائية من عمل "دشتى" و"حجازى" و"مستعان" فى حب أبدى أو تحب إلى الأبد وهى سطحية بكل المقاييس. وبالرغم من أننى قد بدات بثلاثة من أقدم كتاب القصة لدينا إلا أننى لا أنوى أن أصر على الترتيب الزمنى لأبرهن أكثر على وجهة نظرى. و سأتحدث عن بعض الكتاب الآخرين الذين يستخدمون شخصيات نسائية أحادية النمط أكثر أو أقل بصورة عشوائية أو كما يتداعون إلى عقلى. فى أعمال "صادق وبك" (1916-1998) و"غلام محسين ساعدى" (1935-1985) ستجد صورة للمرأة مناقضة لصورة الثلاثى المذكورة سابقا. فنساء "وبك" و "ساعدى" كائنات كريهات الرائحة قذرات مرهقات تلبسن أسمالا إذا ما ارتدين ثيابا لأن هذين المؤلفيْن مغرمان بالفعل فى رسم النساء كعاهرات. كما يريان وظائف أخرى مناسبة للنساء مثل : التسول، غسل الملابس القذرة، والجثث الميتة، الحمل بدون زواج وبعد ذلك التخلص بطريقة ما من طفلهنّ غير الشرعى. ومهما فعلن فالبغاء ليس ببعيد جداعنهنّ. ولو وُضع أى نمط آخر للمرأة فى صدارة قصصهم فهى إما سطحية جدا لدرجة انها لا تعد شخصية، أو أنها غير مشوقة حتى أنها تكاد لا تجذب أى انتباه. فالنساء فى {الحصان الخشبى} التى كتبها "وبك" وفى {أن تكون هادئا فى غياب الآخرين}التى كتبها "ساعدى" من النمط ( السطحى – غير المشوق) .
دعونا نلقى أولا نظرة سريعة على نماذجهم الأصلية: فالأختان فى {زنبرك خانه} التى كتبها "ساعدى" واللتان تعيشان فى قذارة فساد مع أختهما الأخرى ووالدتها ووالدهما وزوج أختهما فى غرفة واحدة حقيرة، بغِّيتان، بذيئتا اللسان، سيئتا العقل. ونجد امرأتان فى قصتين كتبهما "وبك" وهما "{حفّار القبور} و{لماذا كان البحر عاصفا؟} تُظلمان، تعامُلان بقسوة وتقتلان طفليهما المولودين لتوهما، واحد بدفنه حيا والآخر بإلقاءه فى البحر لكى يستطيعا استكمال حياتهما المليئة بالمحن. أما {تحت الضوء الأحمر} التى كتبها "وبك" فهى وصف لماخور ردئ وكذلك {ظلّ الظلِّ} التى كتبها "ساعدى" باختلاف واحد نسستطيع ملاحظته: إن ماخور "وبك" ملئ بالعاهرات بينما ماخور "ساعدى"يتفاخر بوجود واحدة فقط وهى: "دلبار خانم" والتى أجبرها كبر سنها على التقاعد من مهنتها القديمة لتتجنب مدمنى الأفيون والمخدرات.
أما "خانم بزرﮒ" بطلة {المتسول} والتى كتبها "ساعدى" امرأة متشردة والتى تكسب قوت يومها بالصدقات. وهناك "سلطانة" و"كلثوم" بطلت "وبك" فى قصته {فستان أرجوانى} يعيشان بفضل الجثث اللتان تغسلنها.
ولـ"وبك" و "ساعدى" قصص كثيرة لا تُوصف فيها أى امرأة على الإطلاق، وشخصياتهنّ النسائية الأخرى – كما ذكرت من قبل – ما هى إلا صور أو أشكال زائلة تصادف فقط وجودهنّ فى القصة. كاتب آخر من هؤلاء الكتاب الذين يتميزون بنمط واحد للمرأة وهو "جلال آل احمد" (1923-1969) وهذا النمط – بكل الاحتمالات– قد أُخذ من محيطه العائل، فقد تكون أمه الغيرم تعلمة كما فى {طبخ الثَريد} مشغولة فى الشعوذة والسحر لتتخلص من زوجة منافسة. وقد تكون أيضا مغطاة بالحجاب كما فى {امراة غير مرغوب فيها} ترغب فى أن تظل عبدة للرجل الذى تزوجها من أن تواجه عودتها مرة أخرى كعُملة سيئة لا تُصرف، الشئ الوحيد الذى أشعر بامتنانى لـ"آل احمد" من أجله هو أنه ليس مؤلفا غزير الانتاج، فلقد عَوِّض كثيرا عن ضآلة جهوده الأدبية بشهرته الواسعة – والتى لا تعنينا اليوم.
لديه فقط بعض القصص القصيرة التى تحتوى على شخصيات نسائية. وغير هاتين الاثنتين فقد ذكرت بالفعل أخريات مثل {طلاء الأظافر الوردىّ}، {طفل شخصٍ آخر}،{العيد الميمون} و{نزهة دوله}. فى كل هذه القصصص ماعدا {نزهة دوله} يواجه القارئَ مرة أخرى الأم والأخت الأبديتان فى ذلك المطبخ الأبدى تعرقنَ وتكدحنَ، وعلى استعداد لإشباع أى رغبة أو نزوة لرجل البيت. وهنّ بلا شك تشبعن أيضا عقدة التفوق لدى مبدعهنّ، الذى يصنعهنّ بائسات بقدر الإمكان فقط حتى يظهر شهامته فى إظهار بعض الشفقة عليهنّ.
إن "نزهة دوله" - المرأة المتفردة الوحيدة - هى متخبطة كقصة يتمنى المرء فيها أن يعلق فيها "آل احمد" مع زوجاته المحجبات، غير متعلمات- بغيّات - كما هنّ لأنه على الأقل لم يكن ليرتكب نفس الأخطاء الغبية فى وصفهنّ كما فعل عند محاولته رسم شخصية "نزهة دوله".
وهذه هى الأسباب المتعددة التى فشلت بسببها القصة فشلا كاملا :
1- أن "آل احمد" لا يعلم أغلب التفاصيل العناصرية عن الشخصيات التى يرسمها.
2- أنه لا يملك حس الدعابة الضرورى ليكتب قصة هجائية.
3- كرهه الواضح لشخصيته (المرأة الغنية الموسرة التى تهتم بوجهها وشكلها) قد أظهر ضعف الكاتب اكثر من الشخصية... إلخ.
ومع ذلك فإن "نزهة دوله" تخدم هدفا آخر. إنها تبين كيف أن "آل احمد"لم يكتف باختيار عضوات من نساء أسرته كنماذج للمرأة التى كان يكتب عنها، بل وأنه أيضا يعتبرهم ببساطة نموذج المرأة الذى ينافس مثيله فى الحياة. وهذه الفكرة بالطبع تأتى فى غاية الوضوح أيضا فى {العيد الميمون} حيث يمجد والده – "مُلاّ" بذئ اللسان - يرفض أن يأخذ زوجته إلى حفلة مقامة على شرف تحرير المرأة.
إن غرور "آل احمد" قد جعله يؤمن بأنه رجل ذو إحساس، - وكرجل ذو إحساس – فهو لا يستشير النساء أبدا طبقا للوصف الذى صاغه "ايرل[3] شسترفيلد[4]" ، أو يثق بهنّ فى الأمور الجدية. لقد عاش (ايرل شسترفيلد) فى القرن السابع عشر وكذلك "آل احمد" كما أعتقد.
وبالعكس فإنه كلما ابتعدنا عن الكتّاب الذين كانوا نقطة تغير وانقلاب، وكلما اقتربنا من الوقت الحالى، كلما تصبح صورة المرأة فى القصة أكثر شحوبا. وحتى الكاتبات اللاتى احترفن الكتابة، لم ينتجن شخصية نسائية تُذكر –شخصية تكون أكثر من مجرد اسم فقط أو جنس، أو تكون شخصا لا غنى عنه فى القصة، التى صفاتها – حسنة كانت أم قبيحة – والتى اتجاهاتها -صحيحة كانت أم خطأ–، والتى أفعالها -محسوبة كانت أو ساذجة– تجعلها صامدة فى ذاكرة القارئ.
"طارقى" (1939-..) واحدة من هؤلاء الكاتبات التى غالبا ما تتحدثنَ بضمير ال "هو" المفرد كرجل – فى قصة على ليلة زواجه إذا سمحت! . هذا بالإضافة إلى أنها عندما يحدث وتتحدث عن امرأة، تبدو معرفتها بتحليل المرأة أَضأل من معرفتها بتحليل الرجل. فقد جعلت مثلا امرأة تعطى محاضرة أيديولوجية عن آلام المخاض. والآن تعلم اللاتى أنجبت منّا طفلا أنّ مثل هذا العمل والجهد لا يمكن أن تحتمله القدرة لبشرية. ولهذا لم تنتابنى أى دهشة عندما ماتت شخصيتها فى منتصف إحدى خطاباتها المحكمة.
"سيمين دانشوار" كاتبة أخرى تبدو أنها تؤمن أن الرجال فقط هم الذين يجب عليهم التصرف بينما على النساء أن تشاهد فقط. وتلخص "كينجسلى" عملها بطريقة لطيفة فى هذين السطرين فى منتصف القرن التاسع عشر :
"لابد للرجال من العمل وللنساء من الندب
وكلما انتهى الامر بسرعة كلما ذهبت للنوم بسرعة"
وفى حالة "دانشوار" تعجّبتُ كثيرا كيف أن "آل احمد" –والذى كان زوجها– مسئولا عن ابتكارها لهؤلاء الشخصيات التافهات النادبات كنساء.
نعود إلى الصورة الباهتة للمراة عند كتّاب آخرين: ففى أعمال "بهرام صادقى" (1936-1986) و"جمال مير صادقى" (1933-..) لا تجد وصفا تفصيليا للمراة أو تمييزا لوجهها أو جسدها. ويستمر كتّاب آخرون من نفس الجيل فى هذا الاتجاه فتجد أنهم لا يمنحوا المرأة اسما حتى، ويشار إليها بكلمة "الفتاة" أو "المرأة". وقد برروا هذا بقولهم: لماذا نعطى اسما لحقيبة من العظام؟
ولقد وفر أيضا "احمد محمود" طاقته لأن اثنين فقط من قصصه القصيرة والتى تقدر باثنتى وعشرين قصة أَُثقلتا بشخصية نسائية واثنين من رواياته الثلاث تفاخران بنقص الشخصيات النسائية بهما.
وكنوع من الاعتذار لهؤلاء اللاتى أتينَ منكنّ لتكتشفن النسخ الفارسية من (آنّا كارنينا) و(مدام بوفارى) و(ليدى شاترلى) و(ابن العم بيت) أو (سكارلت اوهارا) فقد ادخرت بعض الصور الملونة للمرأة حتى النهاية. ومع ذلك قبل أن نتوجه إليهم أحب أن أقول بعض الكلمات عن أعمال "محمود دولت آبادى" (1940-..)
ويمكن أن نعده كاتبا قد واجه طائفة واحدة فقط من النساء، فجميع نسائه فلاحات فقيرات يكدحن بجِدّ فى قرى على وشك المجاعة حول إقليم خراسان. ومع ذلك فإن نسائه تنجحنَ بطريقة ما فى التواجد فى كل حالة بصورة فردية، وجميعهن مقنِعات وموثوق بهن ولا تستطعن أن تذهبن بعيدا عن النص دون أن تتركن فجوة كبيرة، وهو شئ لا يمكن أن يقال عن العديد من المؤلفين الذين قد ذكرتهم حتى الان.
وفى حالة "دولت آبادى" فإن صورة المرأة التى يرسمها – رغم أنها تبدو مكررة – إلا أنها لا تنتج عن تدقيق وتفحيص لكن عن رأيه فى طيبة وشر المرأة. وقد دلل على البساطة حتى أنه كلما حاولت إحدى نسائه أن تنحرف عن طريقها، يتأكد لدى القارئ أن الكوارث ستتلاحق. وعلى حد علم "دولت آبادى" فإن الحياة التى ليس بها امرأة لعوب ربما تنتهى نهاية سعيدة. وتقلقه هذه الفكرة لدرجة أنها تكون إما الفكرة المتكررة المهيمنة فى القصة أو تشكل جزءا هاما فيها فى كثيرٍ من كتبه: {الرحلة} و{رحيل سليمان}و{الرجل} وهم ضمن الفئة الأولى، بينما تنتمى {مع شابيرو} و{خرافة بابا صبحان} و{عند المنعطف} و{كوليدار} للفئة الثانية.
وصورة المرأة بارزة كما أعتقد فى أعمال كلٍ من "محمد على جمالزاده" (1892-1997) و"صادق هدايت" (1903-1951)، ويعد كلا من هذين الكاتبين مؤلف عصره _و أعنى بذلك_ أنهما قد صورا فترتهما بقدر من الإخلاص والدقة جعل كتبهما –بصرف النظر عن قيمتها الأدبية– ذات قيمة اجتماعية أيضا. وما هو أكثر من ذلك أن الحوار كان يمثل لغة عصرهم بدرجة كبيرة حتى أن كتبهما تعد مصادرا جيدة للدراسات اللغوية. وباختصار فإن الواحد منا يستطيع أن يرى ويسمع طهران منذ ستين أو خمس وستين عاما من خلال أعمال هذين الروائيّيْن الممتازين. وما يميز هذان المؤلفان عن بعضهما أن "جمالزاده" يكتفى بسعادة أن يعكس صورة المجتمع ، أما "هدايت" فهو يتجه إلى أبعد من أن يكتفى بعكس مظاهر الحياة المختلفة، بل لديه عينا حادة ناقدة عادة ما تترك درسا أخلاقيا غير مكتوب بين السطور.
وإن الشخصيات النسائية الثلاث اللاتى اخترتهن من أعمال "جمالزاده" مختلفات عن بعضهنّ كما تختلف أى ثلاث نساء فى الحياة الواقعية، فتظهر اثنتان منهما فى {سفر قنوات الماء} بينما تظهر الثالثة فى {يوم الحساب}.
"عزت ملوك" ترملت خمس مرات، ولا تمانع -ليظهرها باردة المشاعر- أن تكون عروسا لمرة سادسة، فتنتظر هذه اللحظة السعيدة، وهى لا تحرم نفسها من أن تقضى بعض الأوقات الممتعة، وعلى كل حال فالزواج ليس همها الشاغل فهى أولا وأخيرا سيدة أعمال مهمتها الأساسية أن تجمع كل بنس من الربح لتحقق رأس المال الخاص بها، ولتصل لهذه الغاية فهى لا تتردد جزءا من الثانية أن تستخدم سحرها الأنثوى، ولو تصادف وفشل ذلك تبدأ فى التهديد والتوعد وأخيرا وكحل أخير فهى تثير فضيحة وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحا مؤكدا. فهى لا ترى ضرورة للكلام وتستخدم بالضبط نفس الطرق لتتجنب دفع ديونها.
لقد وُصِفت "عزت ملوك" فى بضع صفحات فقط من الكتاب ونسمع لها حوراين فقط كاملين. ومع ذلك فإن القارئ يعلم كل ما يجب معرفته عنها من خلال كلماتها ومفرداتها اللغوية، والطريقة التى تضع بها مساحيق التجميل كل صباح؛ وكيف تبدأ جولة زياراتها اليومية؛ طريقتها فى الحديث والمشى، والسبب فى تواضعها المزيف أو قمة تفاخرها، إنها امرأة حقيقية وبدونها فإن المنطقة التى يرسمها لنا لن تكون كما ينبغى.
أما "رباب سلطان" زوجة الخباز التى تعيش بنفس المنطقة فهى زوجة معتدلة ومتواضعة تقضى وقتها بالتبادل بين لعن وسب وتملق أولادها الستّ العنيدين الذين أنجبتهم على مدار سبع سنين من الزواج. ولعناتها وسبابها تأتى بنفس الطريقة التى تغنى بها لتهدهد أطفالها وكلاهما له رنين حقيقى مثل شخصية "رباب سلطان" نفسها.
وتحتل "ربابه" مكانا أصغر فى الكتاب عن الذى تحتله "عزت" إنها لا تَرى فى الزقاق لكن تستطيع سماعها فى جميع أنحائه وخصوصا عندما تكون هناك وجبة ساخنة جيدة فى المنزل تلين زوجها العابس، أو عندما يكون بعيدا وتبدأ "ربابه" روتينها من التملق والتهديد لتُسكِت أطفالها. ومن خلال صوتها يتعرف المرء عليها ولا يمكن أن يخطئ المرء صوتها أبدا.
وأخيرا نأتى لـ "معصومه شيرازى" والتى ظهرت لأول مرة كجزء من كتاب {يوم الحساب}لـ "جمالزاده" وعنوان الفصل المخصص لها: {الكاهن والمحظيّة}. ولكونه أكثر الأجزاء المليئة بالحركة فى القصة فقد حوّل "جمالزاده"هذا الفصل إلى كتاب منفصل بذاته أسماه {معصومه شيرازى}.
لقد نفخ الملاك إسرافيل بوقه واليوم يوم البعث، و بُعِث كل الموتى من قبورهم واقفين أمام عدالة المحكمة الإلهية. و "معصومه" هى واحدة فقط من هؤلاء المذنبين وهى تخاطب الرب بصوت صادق مخلص مخبرة إياه قصة حياتها. ويقاطع صوته مناجاتها مرات قليلة فقط ليشجعها على الاستمرار، وكثيرا ما كانت تقول عبارات مثل: "يا إلهى عاقبنى أنا الصماء البكماء إذا ما بدوت متبجحة لكنك لست امرأة لتعلم معنى الإخفاق!.
وعندما تنهى "معصومه" قصتها تبدو نقية طاهرة وكأن أحدا لم يمسها كقطعة ثلج، تصويرا كاملا للبراءة، وماذا يستطيع رب "جمالزاده" أن يفعل إلا أن يمجدها؟ والآن نترك إله "خمينى" يبحر فى جوهره المقدس.
والآن نذهب إلى "هدايت".
أنا شخصيا أعتقد أن الشخصيات النسائية التى يرسمها ويبتكرها "صادق هدايت" أفضل من شخصياته الرجالية. فهويلتقطهنّ بدقة تماما. وأعتقد أن سببا من أسباب ذلك هو أنه يرى نقاط الضعف فى المجتمع الذى يعيش فيه تنعكس بشكل أفضل فى النساء، وأن مشاعره المعادية للكنيسة والإسلام – المتطورة بشكل كبير والمعروفة لكل الباحثين بأعماله– لم تجد أداة أفضل من النساء ليوصل هذه الرسالة إلى الجميع. لقد كانت النساء دوما الضحايا الرئيسيين للتعصب الدينى والخرافات فى بلدى.
و يشرح "هدايت" بذكاء الجوانب السخيفة والمَرَضيّة فى الإسلام فى قصص مثل {طلب الغفران} و{المرور بينهما} و{ادر}. فمن يستطيع أن يظهر هذه السخافات أفضل من الشخصيات النسائية؟ وهن يؤدونها بنجاح عالى.
إن "صادق هدايت" يفهم النساء. وهو يفهم بامتياز مشاعرهنّ المختلفة والمعقدة فى أغلب الأحيان، وهذا هو السبب أان نساءه لسن بليدات حتى يجلسن جامدات ويتقبلنَ ما يصيبهنّ دون أى رد فعل. فكل منهن –وليست هناك ضرورة للقول– لها طريقتها الخاصة وقدرتها الفردية المختلفة. إنهن نساء قادرات على الكراهية والحب والغيرة وماهرات، وباختصار فهن مخلوقات من لحم ودم وأتين للحياة بإشراق وحيوية.
وبالرغم من أن "صادق هدايت" على وعى بجهل وبؤس نساء عهده، إلا أنه لم يصور الموقف بطريقة مسرحية ليوضح اليأس، ولا يمزق المرأة لقطع ليقنع القارئ أنها تحت ضغط لا يحتمل.
إن "زرين كوله" بطلة قصة {المرأة التى فقدت رّجُلها} على الرغم من صغر سنها وقلة خبرتها لم تتحطم عندما أدركت أخيرا أن زوجها تركها من أجل الرب. وحياة "علويه خانم" ليست أفضل من حياة كلب لكن هذا لم يمنعها من أن تستخرج أفضل ما بداخل جميع من حولها فى القصة. وإنها فقط "علويه خانم" التى أحب أن أقول عنها بعض الكلمات: إنها امرأة سمينة حميمية ذات شعر أجعد، وجفون منتفخة، وسيلتها الوحيدة للدفاع هى لسانها الحاد المرتجل. إحساسها القوى بالبقاء يجعلها مرنة فى بعض الأوقات وصارمة فى البعض الاخر، كاذبة بارعة ، متآمرة داهية، سيدة تتحكم بمشاعرها جيدا فى كل الأوقات .
يتقابل القارئ معها فى الطريق إلى (مشهد[5]) بين المسافرين الآخرين الفقراء الذين يذهبون إلى هناك فى الحج. ومع ذلك فإن هذه الرحلة لا تعنى شيئا بالنسبة لها إلا وسيلة لكسب العيش. "علويه خانم" تقود مجموعة صغيرة وغريبة من الناس وقد تدربوا على يديها كيف يقصّون مغامرات ومشاكل القديسين فى صحراء كربلاء، بمساعدة ستارة مرسومة مصورة المشاهد الدموية للحرب المقدسة وقد خدع هذا الأمر الركاب الآخرين وسكان القرى والمدن التى تمر من خلالها عرباتهم البالية. ولا أحد يعرف بالضبط كيف جندت جيشها. فهى دائما ما تكذب عندما يتعلق الأمر بعلاقتها بأعضاء المجموعة. النساء فى هذه الجماعة غالبا ما تكن أخواتها أو بناتها. والرجل بالمثل ابنها أو ابن زوجها والأطفال أحفادها أو يتامى تتبانهم بالإحسان.
ومهما أو من كانوا فجميعهم تابعين لها. وهى تستخدم الناس من حولها ولا ترى غنى عن أحدهم ولكن الآخرين يحتاجون إليها ولا يرون لغيرها بديلا .وتضعها شعوذتها فى مآزق ساخنة من آن لآخر وبالطبع فإن غريزة البقاء لديها تدلها على طريقة لتتملص بها من هذا المأزق. و"علويه خانم" شخصية بارزة موجودة لراحة الآخرين وتبقى محفورة فى ذهن القارئ إلى الأبد.
قد أكون أعطيتكم انطباعا بأن رأيي عن الكتاب الفارسيين المعاصرين مثير للشفقة باستثناء "جمالزاده" و"هدايت"، ورغم أن هذا صحيح بالنسبة لبعض الذين ذكرت أسمائهم فى هذه المحاضرة إلا أنه ليس صحيحا بالنسبة للجميع ولا ينطبق على الكل. ولا بد أن أضيف أيضا أن بعض القصص التى أشرت إليها اليوم لكى أوضح ضعف الشخصيات النسائية –ليست بالضرورة قصص سيئة. ونقطة أخرى تستحق الذكر: أننى لم أحلّل أعمال كل الكتاب فى هذا العرض– لأننى رأيت البعض منهم لا يستحق التحليل، أما ذكر الكتاب الآخرين فلأن هذه الدراسة المعتدلة لا تستطيع التظاهربالشمولية.
ومع ذلك فهناك غياب لشئ أتمنى أن تكونوا قد لاحظتوه وافتقدتوه، وهو بالطبع، صورة المرأة فى كتبى. وهذا الإهمال لم يكن بسبب أى اعتدال من ناحيتى ( فأنا لا أفاخر بأى منها) ولكن لأن –وأنا أعلم أنه شذوذ بما يكفى–الأشياء التى يجدها الآخرون تستحق الثناء بأعمالك تبدو دائما اكثر إقناعا من الحقائق التى تشير بها عن نفسك. ولكى أثبت أننى لم أبدأ هذا الفحص بأفكار نسائية مصورة مقدما، وأريد أن أختم خطبتى بقول من أقوال "جورج إليوت":
"إننى لا أنكر أن النساء حمقاوات لكن الله الرحيم قد جعلهن كذلك لكى يتواصلوا مع الرجال"
ولقد توقعت فقط هذا الكثير ولم أتوقع الأكثر من كتابنا المعاصرين ولكن أغلب كتابنا يبدون وكأنهم قد نسوا الجزء الأخير من هذا القول لأن نسائهم لا تتواصل مع رجالهن وسوف يندمون على هذا. أشكركم على حسن استماعكم.

[1] ألقيت هذه المحاضرة فى الأماكن التالية : جامعة بنسيلفانيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، جامعة كولومبيا (الولايات المتحدة الأمريكية )، (يو سى ال ايه) (الولايات المتحدة الأمريكية) وجامعة ميتشجن (الولايات المتحدة الأمريكية) وفى (بيركلى) بجامعة كاليفورنيا . وجامعة (اوترخت) بهولندا.
[2] كلهم ثلاث أشهر مؤلفين فى القرن. ومع ذلك فسيظل "على دشتى" يتذكره الجميع بسبب دراساته فى الدراسات الفارسية، والأمور الدينية. وخصوصا من اجل "ثلاثة وعشرون عاما" دراسة عن الرحلة النبوية لمحمد .وقد سجن بعد الثورة الإسلامية وعذَِب فى سن الواحد والثمانون وتوفى إثر جراحه فى ديسمبر عام 1981 أو يناير عام 1982.
[3] لقب إنجليزى (Earl). (المترجم)
[4] مدينة فى شمال إنجلترا تقع جنوب (شيفيلد). (المترجم)
[5] بلدة إيرانية يحج بعضهم إليها بديلا عن مكة المكرمة. (المترجم)

2 تعليقات:

تحية طيبة
فيما يتعلق بالهامش رقم 5 عن مدينة مشهد وادعاء المترجم ان البعض يحجون اليها بدلا من مكة المكرمة فهو قدح ورجم بالغيب المسلمون الايرانيون لا يحجون الا الى مكة المكرمة واي ادعاء اخر فهو كلام قاسي ومجحف ويدل على الجهل المطلق
ازهر مهدي

شكرا أستاذ أزهر على التوضيح ولكن كاتبة المقال أستاذة آزار نفيسى هى التى ذكرت أن بعضهم يحجون إليها لذا نوه إليها المترجم

شكرا على المتابعة
تحياتى

Post a Comment

 

الأعداد السابقة

1 2 3 4
5 6 7 8
9 10 11 12
13 14 15 16
       

محرر إيران خان

أنت الزائر رقم

Followers

Copyright 2010 إيران خان - All Rights Reserved.
Designed by Web2feel.com | Bloggerized by Lasantha - Premiumbloggertemplates.com | Affordable HTML Templates from Herotemplates.com.